خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً
٢
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً
٣
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو عمرو وحده { ألاّ يتخذوا } بالياء. الباقون بالتاء، والمعنى فيهما قريب، والتقدير، { وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا } وقلنا لهم: لا تتخذوا، كما تقول: قلت لزيد قم، وقلت له ان يقوم. وقال تعالى { قل للذين كفروا ستغلبون } بالتاء والياء. ومعنى { من دوني وكيلاً } أي كافياً وربا، ونصب { ذرّية } على النداء، وهو خطاب لجميع الخلق، لأن الخلق كله من نسل نوح من بنيه الثلاثة: حام: وهو ابو السودان، ويافث: وهو أبو البيضان: الروم والترك والصقالبة وغيرهم، وسام: وهو ابو العرب والفرس. وتقديره يا ذرّية من حملنا، ووزن "ذرية" فعلية، من الذر، ويجوز ان يكون (فعولة) من الذر واصله (ذروية) فقلبت الواو ياء وادغمت في الياء، قال أبو علي النحوي: ويجوز ان يكون نصبا على أنه مفعول الاتخاذ لأنه فعل يتعدى إِلى مفعولين كقوله { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } وقال { اتخذوا أيمانهم جنة } وعلى هذا يكون مفعولا ثانياً على القراءتين، ومتى نصبته على النداء، فانما يتأتى ذلك في قراءة من قرأ بالتاء، والاسهل أن يكون على قراءة من قرأ بالياء، لأن الياء للغيبة، والنداء للخطاب، و (أن) في قوله { ألا تتخذوا } يحتمل ثلاثة أوجه:
احدها أن تكون (أن) الناصبة للفعل، والمعنى جعلناه هدى، كراهة أن تتخذوا، أو لان لا تتخذوا.
والثاني - أن تكون (أن) بمعنى أي، لانه بعد كلام تام والتقدير أي لا تتخذوا.
والثالث - أن تكون (أن) زائدة، ويضمر القول.
والوكيل لفظه واحد، والمراد به الجمع، لأن معناه حينئذ (فعيلا) فيكون مفرد اللفظ والمراد به الجمع، نحو قوله
{ وحسن أولئك رفيقاً } }. قال أبو عبيد: أهل المدينة يقولون في نصب { سبحان } أنه اسم في موضع مصدر سبحت الله تسبيحاً، والتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم منه، كقولك كفّرت اليمين تكفيراً، أو كفراناً، والتكفير المصدر، والكفران الاسم، قال أمية ابن أبي الصلت:

سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد

وقال بعضهم انه يجوز أن يكون نصباً على النداء، يريد: يا سبحان ومعناه: التنزيه لله والتبعيد له من كل ما لا يليق به، والتسبيح يكون بمعنى الصلاة، كقوله { فلولا أنه كان من المسبحين } أي من المصلين - ذكره اكثر المفسرين - ومنه السبحة وهي النافلة. وروي أنه كان ابن عمر يصلي سبحته في موضعه الذي يصلي فيه المكتوبة ويكون بمعنى الاستثناء، كقوله { فلولا تسبحون } أي فلولا تستثنون، وهي لغة لبعض أهل اليمن، ولا وجه للكلام غيره، لأنه قال { إِنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } الى قوله { ولا يستثنون } ثم { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } فذكّرهم تركهم الاستثناء فأما سبحة النور التي دون الله، قال المبرد: لا يعرف إِلا من الخبر الذي روي (لولا ذلك لاحرقت سبحات وجهه) بمعنى نور وجهه أي الذي إِذا رأى الرائي قال سبحان الله. وقال سيبويه { سبحان } براءة الله من السوء وهذا اسم لهذا المعنى معرفة وقال الاعشى:

أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر

اي براءة منه ولا ينزه بلفظ سبحان غير الله، وانما ذكره الشاعر نادراً على الاصل واجراه كالمثل في قوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } معناه ليس شيء إِلاَّ وفيه دلالة على تنزيه الله مما لا يليق به، وقولهم: سبح تسبيحاً أي قال سبحان الله، والسبح في التعظيم الجري فيه. والاسراء سير الليل، اسرى اسراء وسرى يسرى سرى لغتان، قال الشاعر:

وليلة ذات دجى سريت ولم يلتني عن سراها ليت

وقوله { ليلاً } معناه بعض الليل، على تقليل وقت الاسراء، ويقوي ذلك قراءة حذيفة، وعبد الله { من الليل } وروت أم هاني بنت ابي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منزلها ليلة أسري به. وقال الحسن وقتادة: كان في نفس المسجد الحرام. وروي عن أم هاني أن الحرم كله مسجد. والمسجد الاقصى هو بيت المقدس، وهو مسجد سليمان بن داود - في قول الحسن وغيره من المفسرين - وانما قيل له: الأقصى، لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام. وقال الحسن: صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب في المسجد الحرام. ثم أسري به الى بيت المقدس في ليلة ثم رجع، فصلى الصبح في المسجد الحرام، فلما اخبر به المشركين كذبوا ذلك، وقالوا: يسير مسيرة شهر في ليلة واحدة؟! وجعلوا يسألون عن بيت المقدس وما رأى في طريقه، فوصفه لهم شيئاً شيئاً بما يعرفونه. ثم اخبرهم انه رأى في طريقه قعباً مغطاً مملوءاً ماء فشرب الماء كله ثم غلطاه كما كان، ووصف لهم صفة إِبل كانت لهم في طريق الشام تحمل المتاع، فقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق، فقعدوا في ذلك اليوم يستقبلونها، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد أشرقت، ولم تأت. وقال آخر هذا والله العير يقدمها جمل اورق، كما ذكر محمد، فكان ذلك معجزة له باهرة، ودلالة واضحة لولا العناد، وكان نفس الاسراء حجة له صلى الله عليه وسلم لا انه يحتاج إِلى دلالة كغيره، ولذلك قال تعالى { لنريه من آياتنا } فكان الاسراء من جملة الآيات التي تأكد بها يقينه وازدادت به بصيرته، لأنه كان قد علم نبوته بما تقدم له من الآيات، فكان هذا على وجه التأكيد لذلك.
وعند أصحابنا وأكثر أصحاب التأويل، وذكره الجبائي ايضاً: انه عرج به في تلك الليلة الى السماء وأت حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة، واراه الله من آيات السموات والارض ما ازداد به معرفة ويقيناً، وكان ذلك في يقظته دون منامه، والذي يشهد به القرآن الاسراء من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، والباقي يعلم بالخبر.
وقوله { الذي باركنا حوله } يعني بالثمار ومجاري الانهار، وقيل { باركنا } حوله بمن جعلنا حوله من الانبياء والصالحين، ولذلك جعله مقدساً. { لنريه من آياتنا } من العجائب التي فيها اعتبار.
وروي أنه كان رأى الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً.
وقوله { إِنه هو السميع البصير } اخبار منه تعالى أنه يجب أن يدرك المبصرات والمسموعات اذا وجدت، لأنه حي ولا يجوز عليه الآفات.
وقوله { وآتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { وجعلناه } يعني التوراة التي انزلها { هدى } ودلالة لبني اسرائيل، وقلنا لهم { لا تتخذوا من دوني وكيلاً } أي ربّاً تتوكلون عليه وكافياً تسندون اموركم اليه. وقال مجاهد: معنى { وكيلاً } شريكا، قال المبرد: هذا لا شاهد له في اللغة. وقلنا يا { ذرّية من حملنا مع نوح } في سفينته وقت الطوفان { إنه كان عبداً شكوراً } يعني نوحاً كان عبداً كان لله شاكراً له على نعمه.
وروي انه اذا كان اراد أكل طعام أو شراب قال: بسم الله، وإِذا شبع قال الحمد لله، ومن قال: هو نصب على أنه مفعول، فانه قال تقديره لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً من دوني.