خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً
١٣
ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً
١٤
مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً
١٥
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأَ أَبو جعفر { ويخرج } بضم الياء، وفتح الراء، وقرأ يعقوب بالياء وفتحها وضم الراء. الباقون بالنون، وضمها، وكسر الراء. واتفقوا على نصب { كتاباً } وقرأَ ابن عامر وأَبو جعفر { يلقاه } بضم الياء، وفتح اللام وتشديد القاف. الباقون بفتح الياء وسكون اللام وفتح القاف وتخفيفها، ونصب كل انسان بفعل يفسره { أَلزمناه } وتقديره أَلزمنا كل انسان أَلزمناه، كما قال { والقمر قدرناه } فيمن نصب. ومعنى طائره قال ابن عباس، ومجاهد وقتادة: عمله من خير أَو شر كالطائر الذي يجيء من ذات اليمين، فيتبرك به، والطائر الذي يجيء من ذات الشمال فيتشاءم به، وطائره عمله. والزام الله طائره في عنقه: الحكم عليه بما يستحقه من ثواب أو عقاب. وقيل: معناه ان يحكم بأن عمله كالطوق في عنقه. ثم اخبر تعالى أنه يخرج للانسان المكلف يوم القيامة كتاباً فيه جميع أفعاله مثبتة ما يستحق عليه ثواب او عقاب.
وقوله { يلقاه } قرأ ابن عامر بضم الياء وفتح اللام، وتشديد القاف، بمعنى ان الملائكة يستقبلونهم. الباقون بفتح الياء والقاف، بمعنى أنهم يلقونه ويرونه.
فمن قرأ بالتخفيف، فمن لقيت الكتاب، فاذ ضاعفت قلت لقّانيه، وقد يتعدى بتضعيف العين الى مفعولين بعد ان كان متعدياً الى مفعول واحد، فاذا بني للمفعول به نقص مفعول واحد من المفعولين، لأن أحدهما يقول مقام الفاعل، لاسناد الفعل اليه، فيبقى متعدياً الى مفعول واحد، وعلى هذا قوله
{ ويلقَّون فيها تحية وسلاماً } وفي البناء للفاعل { { ولقَّاهم نضرة وسروراً } وحكي عن الحسن ومجاهد أنهما قرءا { ويخرج } بفتح الياء وضم الراء، والمعنى يخرج طائره له "كتاباً" نصب على التمييز، وقيل في (طائره) أنه عمله. وقيل: أنه حظه، وما قدّمه من خير او شرّ قال المؤرج: الطائر العمل، بلغة الانصار، ويكون المعنى على هذا ويخرج عمله له كتاباً أي ذا كتاب، ومعناه أنه مثبت في الكتاب الذي قال فيه { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } وقال { هآؤم اقرؤا كتابيه } وانما قيل لعمله طائره - وطيره في بعض القراءات - على تعارف العرب، يقولون: جرى طائره بكذا، ومثله قوله { قالوا طائركم معكم } وقوله { { إنما طائرهم عند الله } وقال ابو زيد: ما مر من طائر أو ظبي أو غيره، كل ذلك عندهم طائر، قال ابو زيد: قولهم: سألت الطير، وقلت للطير، انما هو زجر، وقولهم زجرني الظباء والطير معناه وقع زجري عليهما، على كذا وكذا، من خير أو شرّ، ومنه قول الكميت:

ولا أنا ممن يزجر الطير همّه أصاح عزاب أو تعرّض ثعلب

وقال حسان:

ذرينى وعلمي بالامور وشيمتي فما طائري فيها عليك بأخيلا

اي ليس رأيي بمشوم، وقال كثير:

أقول إِذا ما الطير مرّت مخيلة لعلك يوماً فانتظر ان تنالها

معنى مخيلة مكروهة من الاخيل، ومعنى { في عنقه } لزوم ذلك له وتعلقه به، ومثله قولهم: طوقتك كذا، وقلدتك كذا اي الزمته إِياك ومثله، قلده السلطان كذا، اي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، وإِنما خصّ إِلزام الطائر بالعنق، لأنه إِضافة ما يزين من طوق، او ما يشين من عمل يضاف الى الاعناق، ولأن في عرف الناس ان يقولوا: هذا في رقبتك. وقد يضاف العمل الى اليد ايضاً كما قال { ذلك بما قدمت أيديكم } وإِن كان كسبه بفرجه ولسانه، وغير ذلك، وإِنما يذم بذلك على وجه التقريع والتبكيت بما فعله من المعاصي، ويكون في العلم بذلك لطف في دار الدنيا، وان كان الله عالماً بتفصيل ما فعلوه.
وقوله { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } اي حسبك نفسك اليوم حاكماً عليك في عملك وما تستحقه من ثواب على الطاعة ومن عقاب على المعصية، لانه أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك. وقيل معنى { حسيباً } شاهداً وشهيداً.
وقوله { من اهتدى } يعني فعل الخيرات والطاعات وانتفع بهداية الله إِياه { فإِنما يهتدي لنفسه } وأن ثواب ذلك واصل اليه { ومن ضلّ } اي جار عن الحق وعدل عن الصواب وارتكب المعاصي { فإِنما يضل عليها } اي يجور عليها لأن عقاب ذلك ووباله واصل اليه، لأن الله تعالى قال { لا تزر وازرة وزر أُخرى } اي لا يأخذ احداً بذنب غيره، والوزر الإِثم، وقيل معناه لا يجوز لأحد أن يعمل الإثم، لأن غيره عمله، والأول أقوى.
وقوله { وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً } اخبار من الله أَنه لا يعاقب احداً على معاصيه، حتى يستظهر عليه بالحجج وانفاذ الرسل ينبهونه على الحق، ويهدونه اليه ويرشدونه الى سلوكه، استظهاراً في الحجة، لانه اذا اجتمع داعي العقل وداعي السمع الى الحق، تأكد الامر وزال الريب فيما يلزم العبد، وليس في ذلك دلالة على انه لو لم يبعث رسولاً لم يحسن منه ان يعاقب اذا ارتكب العبد القبائح العقلية، اللهم إلاَّ أَن يفرض أَن في بعثه الرسول لطفاً، فإِنه لا يحسن من الله تعالى مع ذلك أَن يعاقب احداً إِلاَّ بعد أن يعرّفه ما هو لطف له ومصلحة لتزاح علته. وقيل: معناه { وما كنا معذِّبين } بعذاب الاستئصال والاهلاك في الدنيا { حتى نبعث رسولاً }.
وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة: من ان الله يعذب اطفال الكفار بكفر آبائهم، لانه بين أَنه لا يأخذ احداً بجرم غيره.