خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً
٨٢
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً
٨٣
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً
٨٤
-الإسراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى: أنه أنزل القرآن وفيه شفاء، ووجه الشفاء فيه من وجوه:
أحدها - ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك.
وثانيها - أنه من جهة نظمه وتأليفه يدل على انه معجز دال على صدق من ظهر على يده.
وثالثها - انه يتبرك به فيدفع به كثيراً من المكاره والمضار، على ما يصح ويجوز في مقتضى الحكمة.
ورابعها - ما في العبادة بتلاوته من الصلاح الذي يدعو الى امثاله بالمشاكلة التي بينه وبينه الى غير ذلك. ثم قال: { ولا يزيد الظالمين } يعني القرآن لا يزيد الظالمين بمعنى انهم لا يزدادون عنده { إلا خساراً } يعني يخسرون ثوابهم ويستحقون العقاب لكفرهم به وحرمان أنفسهم تلك المنافع التي فيه، صار كأنه يزيد هؤلاء خسراناً بدل زيادة المؤمنين تقى وايماناً. ثم قال: { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } أي ولىّ عرضه، كأنه لم يقبل علينا بالدعاء والابتهال، وباعد عن انعامنا عليه بضروب النعم، فلا يشكرها، كما اعرض عن النعمة بالقرآن.
وقوله: { ونأى بجانبه } أي بعد بنفسه عن القيام بحقوق نعم الله. وقال مجاهد: معناه تباعد منا { وإذا مسه الشر كان يئوساً } يعني اذا لحق الانسان شر وبلاء { كان يئوساً } اي قنوطاً من رحمة الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم: { كلٌّ يعمل على شاكلته } أي على طريقته التي تشاكل اخلاقه. وقال مجاهد: على طبيعته. وقيل على عادته التي ألفها. والمعنى انه ينبغي للانسان ان يحذر إِلف الفساد فلا يستمر عليه، بل يرجع عنه. ثم قال: { وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً } يعني انه عالم بمن يهتدي الى الحق ممن يسلك طريق الضلال، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.
وأَمال حمزة والكسائي { ونأى بجانبه } بكسر النون والهمزة، وأمالوا الياء، وأمالوا النون لمجاورة الهمزة، لأنها من حروف الحلق، كما يقولون: رغيف وشعير وبعير بكسر أولهن. وقرأ ابن عامر { وناء بجانبه } من ناء ينوء، فانقلبت الواو الفاً لانفتاح ما قبلها، ومدّت الالف تمكيناً للهمزة.
وقرأ ابو عامر عن عاصم وابو عمرو - في رواية عياش - "ونئي" بفتح النون وكسر الهمزة ممالاً ومثل ذلك رأى ورئي، وراء ورأه في القلب، فاذا قالوا فعلت، قالوا رأيت بلا خلاف. وانشد المبرد حاكياً عن ابي عبيد:

أغلام معلل راء رؤياً فهو يهذي بما رأى في المنام