التبيان الجامع لعلوم القرآن
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { يسألونك عن الروح } يا محمد. واختلفوا في الروح الذي سألوا عنه. فقال ابن عباس: هو جبرائيل. وروي عن علي (ع) أَن الروح ملك من الملائكة له سبعون الف وجه في كل وجه سبعون الف لسان يسبح الله بجميع ذلك. وقيل: هو روح الحيوان، وهو الاظهر في الكلام. وقال قتادة: الذي سأله عن ذلك قوم من اليهود. وقيل: الروح هو القرآن، ذكره الحسن، لقوله: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } واختاره البلخي، وقوى ذلك بقوله بعدها: { ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أَوحينا إليك } يعني القرآن، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم { الروح من أَمر ربي } فعلى قول من قال: انهم سألوا عن القرآن أو عن جبرائيل او الملك أو روح الحيوان، فقد أَجاب عنه لانه قال: { من أمر ربي } أي من خلق ربي وفعله. وعلى قول:
من قال انهم سألوه عن ماهية الانسان، لم يجب، وانما عدل عن جوابهم، لانهم وجدوا في كتابهم انه إِن أجاب عن الروح، فليس بنبيّ، فاراد صلى الله عليه وسلم ان يصدق نبوته بموافقة امتناعه من الجواب، لما في كتابهم. ويقوي ذلك قوله: { وما أوتيتم من العلم إِلا قليلاً } اي لم أُعط من العلم الا شيئاً يسيراً، والاكثر لا اعلمه، لان معلومات الله تعالى لا نهاية لها. والروح من الامور المتروكة التي لا يصلح النص عليها، لانه ينافي الحكمة، لما فيه من الاستفساد. وانما اعلم ما نص لي عليه مما يقتضي المصلحة، وهو قليل من كثير.
وقيل ايضاً انهم لم يجابوا عن الروح، لان المصلحة اقتضت ان يحالوا على ما في عقولهم من الدلالة عليه، لما في ذلك من الرياضة على استخراج الفائدة، وان ما طريقه السمع، فقد اتى به، وما طريقه العقل، فانما يأتي به مؤكداً لما في العقل لضرب من التأكيد، ولما فيه من المصلحة. والروح جسم رقيق هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة، ذكره الرماني. وقال: كل حيوان، فهو روح وبدن الا أن فيهم من الاغلب عليه الروح، وفيهم من الاغلب عليه البدن. ثم قال: { ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك } ومعناه اني اقدر ان آخذ ما أعطيك، كما منعته من غيرك، لكني دبرتك بالرحمة لك، فأعطيتك ما تحتاج اليه ومنعتك ما لا تحتاج اليه والى النص عليه. وان توهّم قوم أنه مما يحتاج اليه، فتدبر أنت بتدبير ربك وارض بما اختاره لك، ولو فعلنا ذلك لم تجد لك علينا وكيلاً يستوفي ذلك منا. وقال قوم: معنى { ولئن شئنا لنذهبنّ } اي لنمحونّ - هنا - القرآن من صدرك وصدر أمّتك. وقوله: { إلا رحمة من ربك } اعطاك ما اعطاك من العلوم ومنعك ما منعك منها { إن فضل الله كان } فيما مضى وفيما يستقبل { عليك كبيراً } عظيماً، فقابله بالشكر.