يقول الله تعالى مخبراً عن حال تلك الامم انهم تركوا أي بقوا ولم يخترموا، بل اديموا على الصفات التي يبقون بها { يومئذ يموج } بضعهم { في بعض } فلو اقتطعوا عنها لكان قد أخذوا عن تلك الاحوال، وبعض الشيء ما قطع منه، يقال: بعضته أي فرقته بأن قطعته ابعاضاً، والبعض جزء من كل، فان شئت قلت البعض مقدار من الكل وإن شئت قلت: هو مقدار ينقص بأخذه من الجميع، و (الموج) اضطراب الماء بتراكب بعضه على بعض، والمعنى انهم يموجون في بناء السد، ويخوضون فيه متعجبين من السد. ومعنى "يومئذ" يوم انقضاء السد، فكانت حال هؤلاء كحال الماء الذي يتموج باضطراب أمواجه.
والترك فى الحقيقة لا يجوز على الله إلا أنه يتوسع فيه فيعبر به عن الاخلال بالشيء بالترك.
وقوله { ونفخ في الصور } فالنفخ اخراج الريح من الجوف باعتماد، يقال نفخ ينفخ نفخا ومنه انتفخ إذا امتلأ ريحاً ومنه النفاخة التي ترتفع فوق الماء بالريح. والصور قال عبد الله بن عمر فى حديث يرفعه: انه قرن ينفخ فيه، ومثله روي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري. وقيل انه ينفخ فيه ثلاث نفخات: الاولى - نفخة الفزع التي يفزع من في السماوات والارض. والثانية - نفخة الصعق. والثالثة - نفخة القيام لرب العالمين، وقال الحسن: الصور جمع صورة فيحيون بأن ينفخ في الصور الأرواح، وهو قول أبي عبيدة.
وقوله { فجمعناهم جمعاً } يعني يوم القيامة يحشرهم الله أجمع { وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً } أي ابرزناها واظهرناها حتى يروها فاذا استبانت وظهرت قيل اعرضت، ومنه قول عمرو:
واعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بايدي مصلتينا
وقوله { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } شبه الله أعين الكفار الذين لم ينظروا فى أدلة الله وتوحيده ولم يعرفوا الله، بأنها كانت فى غطاء. ومعناه كأنها فى غطاء، { وكانوا لا يستطيعون سمعاً } معناه إنه كان يثقل عليهم الاستماع. وقال البلخي: يجوز أن يكون المراد إنهم لا يسمعون، كما قال تعالى { { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة } وانما أراد بذلك هل يفعل أم لا؟ لانهم كانوا مقرين بأن الله قادر، لانهم كانوا مقرين بعيسى (ع).