خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً
١٦
وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً
١٧
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر واهل الكوفة، وابو بكر والاعشى إلا يحيى والعليمي "مرفقاً" بفتح الميم وكسر الفاء. الباقون - بكسر الميم وفتح الفاء - وقرأ ابن عامر ويعقوب (تزور) - بتخفيف الزاي وتسكينها وتشديد الراء من غير ألف - وقرأ أهل الكوفة بتخفيف الزاي والف بعدها وتخفيف الراء. الباقون كذلك إلا أنهم شددوا الزاي. وقرأ أهل الحجاز "لمليت" بتشديد اللام. الباقون بتخفيفها وبالهمز.
قال ابو عبيدة: المرفق ما ارتفقت به وبعضهم يقول: المرفق. فأما في اليدين فهو (مرفق) بكسر الميم وفتح الفاء، وهو قول الكسائي، واجاز الفراء الفتح أيضاً. وقال ابو زيد يقال: رفق الله عليك أهون المرفق والرفق. قال ابو علي: ما حكاه أبو زيد في { المرفق } فانه جعله مصدراً، لأنه جعله كالرفق، وكان القياس الفتح لانه من (يرفق) لكنه كقوله
{ { مرجعكم } } { { ويسألونك عن المحيض } وقال ابو الحسن: { مرفقاً } أي شيئاً يرتفقون به مثل المقطع. و { مرفقاً } جعله اسماً مثل المسجد أو يكون لغة يعنى في اسم المصدر مثل المطلع ونحوه. ولو كان على القياس لفتحت اللام. وقال الحسن ايضاً: مرفق - بكسر الميم وفتحها - لغتان لا فرق بينهما انما هما اسمان مثل المسجد والمطبخ.
ومن قرأ "تزورّ" فانه مثل تحمر وتصفر، ومعناه تعدل وتميل قال عنترة:

فازور من وقع القنا بلبانه وشكى الي بعبرة وتحمحم

وقرأ عاصم والجحدري "تزوار" مثل تحمار وتصفار.
ومن قرأ "تزاور" أراد تتزاور فأدغم التاء في الراء.
ومن خفف اراد ذلك، وحَذَفَ إحدى التائين وهي الثانية مثل تساقط، وتساقط، وتظاهرون، وتظاهرون. قال أبو الزحف:

ودون ليلى بلد سمهدر جدب المندى عن هوانا ازور

يقال: هو أزور عن كذا أي مائل. وفى فلان زور أي عوج، والزور - بسكون الواو - هو المصدر، ومثله الجوشن، والكلكل، والكلكال، كل ذلك يراد به المصدر
وقال ابو الحسن: قراءة ابن عامر "تزور" لا توضع في ذا المعنى، انما يقال: هو مزور عني أي منقبض. وقال ابو علي: يدل على أن (ازور) بمعنى انقبض - كما قال ابو الحسن - قول الشاعر:

وأزور من وقع بلبانه

والذي حسّن القراءة به قول جرير:

عسفن على الاداعس من مهيل وفى الاظغان عن طلح ازورار

فظاهر استعمال هذا (الاظغان) مثل استعماله في { الشمس }. ويقال: ملئ فلان وعياً وفزعاً، فهو مملؤ، وملي، فهو مملي - بالتشديد، للتكثير من ملأت الاناء فهو ملآن، وامتلأ الحوض يمتلئ امتلاءاً، وقولهم: تمليت طويلا، وعانقت حبيباً، ومت شهيداً، وابليت جديداً، فهو غير مهموز. قال ابو الحسن: الخفيفة أجود في كلام العرب، لانهم يقولون ملأته رعباً، فلا يكادون يعرفون (ملأتني). قال ابو علي: يدل على قول أبي الحسن قولهم (فيملأ بيتنا اقطاً وسمنا) وقال الاعشى:

وقد ملأت بكر ومن لف لفها

وقال الآخر:

لا تملأ الدلو وعرق فيها

وقولهم: (امتلأت) يدل على (ملئ) لأن مطاوع (فعلت) (افتعلت) وقد انشدوا في التثقيل قول المخبل السعدي:

فملأ من كعب سلاسله

وقوله { وإذ اعتزلتموهم } خطاب من اهل الكهف بعضهم لبعض، ودعاء بعضهم بعضاً الى أن يأووا الى الكهف، رجاء من الله أن ينشر لهم من رحمته ويبسطها عليهم، ويهيئ لهم من أمرهم مرفقاً اي شيئاً يرتفق به ويستعان به كالمقطع والمجزر.
وقوله { وما يعبدون إلا الله } { ما } في موضع نصب ومعناه وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله من الاصنام والاوثان، ويحتمل الاستثناء امرين:
أحدهما - أن يكون متصلا، فيجوز على ذلك أن يكون فيهم من يعبد الله مع عبادة الوثن، فيكون اعتزالهم للاوثان دون الله.
والثاني - يجوز أن يكون جميعهم كان يعبد الأوثان دون الله فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً.
وقوله { فأووا إلى الكهف } أي اجعلوه مأواكم ومقركم { ينشر } الله { لكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم } ما ترتفقون به.
وقوله { فأووا } جواب (إذ) كما تقول: إذ فعلت قبيحاً، فتب.
وقوله { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين } أي تعدل عنهم وتميل، يقال: ازور ازوراراً، وفيه زور أي ميل.
وقوله { وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } قيل في معناه قولان:
أحدهما - تقطعهم فى ذات الشمال أي انها تجوزهم منحرفة عنهم، من قولك قرضته بالمقراض أي قطعته.
الثاني - تعطيهم اليسير من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها، ومن قرض الدراهم التي تسترد.
وقال مجاهد: تقرضهم تتركهم. وقال ابو عبيدة كذلك هو في كلامهم يقال: قرضت الموضع إذا قطعته وجاوزته. وقال الكسائي والفراء: هو المجاوزة يقال: قرضني فلان يقرضني وجازني يجوزني بمعنى واحد، قال ذو الرمة:

الى قرض يقرض اجواز مشرف شمالا وعن ايمانهن الفوارس

والقرض يستعمل في اشياء غير هذا، فمنه القطع للثوب وغيره، ومنه سمي المقراض، ومنه قرض الفار. وقال ابو الدرداء: (إن قارضتهم قارضوك وإن تركتهم لم يتركوك) ومعناه إن طعنت فيهم وعبتهم فعلوا بك مثله وإن تركتهم منه لم يتركوك. والقرض، من يتقارض الناس بينهم الاموال، وقد يكون ذلك في الثناء تثني عليه كما يثني عليك. والقرض بلغة أهل الحجاز المضاربة، والقرض قول الشعر القصيد منه خاصة دون الرجز، وقيل للشعر قريض. ومن ذلك قول الاغلب العجلي:

أرجزاً يريد أو قريضاً

والمعنى في الآية ان الشمس لا تصيبهم البتة أو في اكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة. وقيل ان الكهف الذي كانوا فيه كان محاذياً لبنات النعش إذا جازت خط نصف النهار.
والفجوة: المتسع من الارض. وقال قتادة: في فضاء منه، وتجمع فجوات وفجاء ممدود، وقيل الفجوة متسع داخل الكهف بحيث لا يراه من كان ببابه، وكان الكلب بباب الفجوة.
وقوله { ذلك من آيات الله } أي ادلته وبراهينه { من يهد الله فهو المهتد } معناه من يسمه الله هادياً ويحكم بهدايته { فهو المهتد }. ويحتمل أن يكون اراد: من يهده الله الى الجنة، فهو المهتدي في الحقيقة. ويحتمل أن يكون: من يلطف الله له بما يهتدى عنده، فهو المهتدي { ومن يضلل } اى يحكم بضلاله أو يسميه ضالا أو من يضله عن طريق الجنة، ويعاقبه { فلن تجد له ولياً مرشداً } اى معيناً وناصراً يرشده الى الجنة والثواب.
ثم قال تعالى { وتحسبهم } يعني وتحسب يا محمد أهل الكهف إذا رأيتهم { أيقاظاً } أي منتبهين { وهم رقود } أي نيام. وقيل انهم كانوا في مكان موحش منه، أعينهم مفتوحة يتنفسون ولا يتكلمون. وواحد { رقود } راقد أى نائم.
وقوله { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } اخبار منه تعالى عما يفعل بهم وكيفية حفظ اجسادهم بأن يقلبهم من جنب الى جنب الى اليمين تارة والى الشمال أخرى.
وقوله { وكلبهم باسط ذراعية بالوصيد } قال ابن عباس: الوصيد الفناء، وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: انه هو الباب اذا أغلمته، ومنه
{ { نار موصدة } }. ويجمع (وصيد) وصائد ووصد، وفى واحده لغتان: وصيد، وأصيد. وأوصدت وآصدت. وليس أحدهما مؤخوذاً من الآخر، بل هما لغتان مثل ورخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته.
وقوله { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً } نصب على المصدر، ومعناه لو اشرفت عليهم لاعرضت عنهم هرباً استيحاشاً للموضع { ولملئت منهم رعباً } نصب على الحال، والمعنى لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة لئلا يصل اليهم احد حتى يبلغ الكتاب اجله فيهم، فينتبهون من رقدتهم باذن الله عند ذلك من امرهم. وقيل انه: كانت اضفارهم قد طالت، وكذلك شعورهم، فلذلك يأخذه الرعب منهم. وقال الجبائي: نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين - لا تتغير احوالهم ولا يطعمون ولا يشربون - معجزة لا تكون إلا لنبي. وقيل النبي كان احدهم، وهم الرئيس الذى اتبعوه وآمنوا به.