خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً
٣٥
وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً
٣٦
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً
٣٧
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الحجاز وابن عامر { خيراً منهما } بزيادة ميم على التثنية. الباقون بلا ميم.
اخبر الله تعالى عن أحد الرجلين اللذين ضرب بهما المثل، وهو صاحب الجنتين انه دخل جنته وهي البستان الذي يجنه الشجر ويحفه الزهر، { وهو ظالم لنفسه } أي باخس لها حقها بارتكاب القبيح والاخلال بالواجب اللذين يستحق بهما العقاب ويفوته بهما الثواب، فلما رأى هذا الجاهل ما راقه وشاهد ما أعجبه، وكبر فى نفسه توهم أنه يدوم، وأن مثله لا يفنى، فقال { ما أظن أن تبيد هذه أبداً } أي تهلك هذه الجنة أبداً { وما أظن الساعة قائمة } يعني يوم القيامة أي تقوم، كما يدعيه الموحدون. ثم قال { ولئن رددت إلى ربي } وجدت { خيراً منها } يعني من الجنة. ومن قرأ { منهما } أراد الجنتين { منقلباً } أي في المرجع اليه. وانما قال هذا مع كفره بالله تعالى، لأن المعنى ان رددت الى ربي، كما يدعى من رجوعي، فلي خير من هذه، تحكما سولته له نفسه، لا مطمع فيه. وقال ابن زيد: شك، ثم قال على شكه فى الرجوع الى ربه ما أعطاني هذه الأولى عنده خير منها { فقال له صاحبه وهو يحاوره } أي يراجعه الكلام { أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً } ومعنى خلقك من تراب أن اصلك من تراب إذ خلق اباك آدم (ع) من تراب، فهو من تراب ويصير الى التراب، وقيل لما كانت النطفة يخلقها الله بمجرى العادة من الغذاء، والغذاء نبت من التراب، جاز أن يقال: خلقك من تراب، لان أصله تراب كما قال من نطفة، وهو فى هذه الحال خلق سوي حي، لكن لما كان أصله كذلك جاز أن يقال ذلك.
وفى الآية دلالة على ان الشك فى البعث والنشور كفر، والوجه في خلق البشر وغيره من الحيوان وتنقله من تراب الى نطفة، ثم الى علقة، ثم الى صورة، ثم الى طفولية، ثم الى حال الرجولية، ما فى ذلك من الاعتبار الذي هو دال على تدبير مدبر مختار يصرف الاشياء من حال الى حال، لان ما يكون فى الطبع يكون دفعة واحدة كالكتابة التي يوجدها بالطبائع من لا يحسن الكتابة، فلما انشأ الخلق حالا بعد حال دل على أنه عالم مختار.
و (المحاورة) مراجعة الكلام و { المنقلب } المعاد، و (التسوية) جعل الشيء على مقدار سواه، فقوله { سواك رجلاً } أي كملك رجلا.