خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً
٣٨
وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً
٣٩
فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً
٤٠
أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً
٤١
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع - في رواية المسيبي - وابن عامر، وابو جعفر، ورويس، والبرجمي، والعبسي { لكنا هو الله ربي } باثبات الالف فى الوصل، وهي قراءة ورش عن نافع. والباقون بغير الف في الوصل. ولم يختلفوا في الوقف أنه بألف. وقد جاء الاثبات فى الوصل، قال الاعشى:

فكيف أنا وانتحالى القوافي بعد المشيب كفى ذاك عارا

غير ان ذلك من ضروة الشعر، ويجوز في { لكنا هو الله ربي } خمسة أوجه في العربية.
احدها - لكن هو الله - بالتشديد - من غير الف في الوصل والوقف.
الثاني - بالف في الوصل والوقف.
الثالث - لكننا باظهار النونين وطرح الهمزة.
الرابع - لكن هو الله ربي بالتخفيف.
الخامس - لكن انا على الاصل. وقال الكسائي: العرب تقول: أن قائم بمعنى أنا قائم، فهذا نظير { لكن هو الله } ومن قرأ لكنا في الوصل احتمل امرين:
أحدهما - أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو نحن، فيدغم النون من { لكن } - لسكونها - فى النون من علامة الضمير، فيكون على هذا باثبات الالف وصلا ووقفاً، لان أحداً لا يحذف الالف من (انا فعلنا).
وقوله { هو الله } فهو ضمير علامة الحديث والقصة. كقوله
{ { فإذا هي شاخصة } وقوله { قل هو الله أحد } والتقدير: الامر: الله احد، لأن هذا الضمير يدخل على المبتدإ والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبر وعاد على الضمير الذي دخلت عليه (لكن) على المعنى، ولو عاد على اللفظ لقال: لكنا هو الله ربنا. ودخلت (لكن) مخففة على الضمير، كما دخلت في قوله { { إنا معكم } والوجه الاخر - أن يكون ما حكاه سيبويه أنه سمع من يقول أعطني يبضة فشدد وألحق الهاء بالتشديد للوقف، والهاء مثل الالف في سبساء، والياء فى (عيهل) واجرى الهاء مجراهما فى الاطلاق، كما كانت مثلهما في نحو قوله:

صفية قومي ولا تجزعي وبكى النساء على حمزة

وهذا الذي حكاه سيبويه ليس فى شعر، فكذلك الآية يكون الالف فيها كالهاء، ولا تكون الهاء للوقف لأن هاء الوقف لا يبين بها المعرب، ولا ما ضارع المعرب فعلى احد هذين الوجهين يكون قول من اثبت الالف في الوصل أو عليهما جميعاً، ولو كانت فاصلة، لكان مثل { { فأضلونا السبيلاً } وفى (أنا) فى الوصل ثلاث لغات أجودها (أنا قمت) كقوله { أنا ربكم الأعلى } بغير ألف في اللفظ، ويجوز (أنا قمت) باثبات الالف، وهو ضعيف جداً وحكوا أن قمت باسكان النون، وهو ضعيف أيضاً وأما { لكنا هو الله ربي } باثبات الالف فهو الجيد، لان الهمزة قد حذفت من انا فصار اثبات الالف عوضاً عن الهمزة، وحكي أن أبياً قرأ { لكن أنا هو الله } قال الزجاج وهو الجيد البالغ، وما قرأه القراء ايضاً جيد.
وقوله { قلت ما شاء الله } تحتمل { ما } أن تكون رفعاً، وتقديره قلت الأمر ما شاء الله، ويجوز ان تكون نصباً على معنى الشرط والجزاء. والجواب مضمر وتقديره أي شيء شاء الله كان، وتضمر الجواب، كما تضمر جواب (لو) في قوله
{ { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } والمعنى لكان هذا القرآن. ومعنى { لا قوة إلا بالله } لا يقدر أحد إلا بالله، لان الله هو الذي يفعل القدرة للفعل.
وقوله { إن ترني أنا أقل } منصوب بأنه مفعول ثان لـ { ترني } و { أنا } تصلح لشيئين: احدهما - ان تكون توكيداً للنون والياء. والثاني - ان تكون فصلا كما تقول: كنت انت القائم يا هذا، ويجوز رفع { أقل } وبه قرأ عيسى بن عمر على ان يكون { أنا } مبتدأ و { أقل } خبره. والجملة في موضع المفعول الثاني - لـ { ترني } وقوله { غوراً } قراه البرجمي بضم الغين - ها هنا - وفي الملك، وانما جاز ان يقع المصدر في موضع الصفة في ماء غور، للمبالغة، كما تقول في الحسن وجهه: نور ساطع، وقال الشاعر:

تظل جياده نوحاً عليه مقلدة أعنتها صفونا

حكى الله تعالى عن الذي قال لصاحبه { أكفرت بالذي خلقك من تراب } أنه قال { لكن هو الله ربي } ومعناه لكن أنا هو الله ربي إلا أنه حذف الهمزة، والقى حركتها على الساكن الذي قبلها، فالتقت النونان، وأدغمت احداهما في الاخرى، كما قال الشاعر:

ويرمينني بالطرف أي انت مذنب ويقلينني لكن إياك لا أقلى

أي لكن أنا. وقوله { ولا أشرك بربي أحداً } أي لا أشرك بعبادتي أحداً مع الله بل أوجهها إليه خالصة له وحده. وإنما استحال الشرك فى العبادة، لانها لا تستحق إلا باصول النعم التي لاتواز بها نعمة منعم، وذلك لا يقدر عليه أحد إلا الله. ثم قال له { ولولا إذ دخلت جنتك } والمعنى هلا حين دخلت جنتك { قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } لاحد من الخلق { إن ترني أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتيني } بمعنى ان يعطيني خيراً من جنتك جنة في الدار الآخرة { وأن يرسل عليها } أي على جنتك حسباناً من السماء. قال ابن عباس، وقتادة: عذاباً. وقيل ناراً من السماء تحرقها. وقيل أصل الحسبان السهام التي ترمى لتجري في طلق واحد، وكان ذلك من رمي الأساورة. والحسبان المرامي الكثيرة مثل كثرة الحساب واحده حسبانة.
وقوله { فتصبح صعيداً زلقاً } أي تراباً محترقاً. والزلق الذي لا نبات فيها. وقال الزجاج: الصعيد الطريق الذي لا نبات فيه أي ملساء ما أنبتت من شيء قد ذهب. وقال الزجاج: المعنى ويرسل عليها عذاب حساب بما كسبت يداك، لان الحسبان هو الحساب.
وقوله { أو يصبح ماؤها غوراً } أي ذاهباً في باطن غامض. والمعنى غائراً، فوضع المصدر موضع الصفة ونصب على الحال ولذلك لا يثنى ولا يجمع.
وقوله { فلن تستطيع له طلباً } أي لا تقدر على طلب الماء إذا غار، والطلب تقليب الأمر لوجدان ما يهلك. قال الرماني هذا أصله، ثم قيل للمريد من غيره فعلا: طالب لذلك الفعل بارادته او أمره والمفكر في المعنى (طالب) لادراك ما فيه وكذلك السائل.