خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً
٥٠
مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً
٥١
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً
٥٢
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة وحده { ويوم نقول } بالنون، على أن الله تعالى هو المخبر عن نفسه بذلك، لانه قال قبل ذلك { وما كنت متخذ المضلين عضداً، ويوم نقول } حمله على ما تقدم، والجمع والافراد بذلك المعنى. الباقون بالياء، بمعنى قل يا محمد يوم يقول الله أين شركائي الذين زعمتم، ولو كان بالنون لكان الأشبه بما بعده ان يكون جمعاً، فيقول شركاؤنا، فأما قوله { الذين زعمتم } فالراجع الى الموصول محذوف، والمعنى الذين زعمتموهم اياهم أي زعمتموهم شركاء، فحذف الراجع من الصلة، ولا بد من تقديره كقوله { { أهذا الذي بعث الله رسولاً } } يقول الله تعالى لنبيه واذكر الوقت الذي قال الله فيه { للملائكة اسجدوا لآدم } وانهم { سجدوا إلا إبليس } وقد فسرناه فيما تقدم. وقيل: إنما كرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج الى اتصاله به، فهو كالمعنى الذي يفيد أمراً فى مواضع كثيرة، والاخبار عنه باخبار مختلفة، كقولهم برهان كذا كذا وبرهان كذا كذا، للمعنى الذي يحتاج الى احكامه فى أمور كثيرة.
وقوله { كان من الجن } قيل معناه صار من الجن المخالفين لأمر الله. وقال قوم: ذلك يدل على أنه لم يكن من الملائكة، لأن الجن جنس غير الملائكة، كما ان الانس غير جنس الملائكة والجن، ومن زعم انه كان من الملائكة يقول: معنى كان من الجن يعنى من الذين يستترون عن الابصار لانه مأخوذ من الجن وهو الستر، ومنه المجن لأنه يستر الانسان. وقال ابن عباس: نسب الى الجنان التي كان فيها، كقولك كوفي وبصري، وقال قوم: بل كانت قبيلته التى كان فيها يقال لهم الجن، وهم سبط من الملائكة، فنسب اليهم. وقال ابن عباس: لو لم يكن ابليس فى الملائكة ما أمر بالسجود. وقال وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { كان من الجن } قال: كان ابليس من الملائكة فلما عصى لعن فصار شيطاناً. ومن قال إن ابليس له ذرية والملائكة لا ذرية لهم ولا يتناكحون ولا يتناسلون عول على خبر غير معلوم. فأما الاكل والشرب ففي الملائكة ولو علم انه مفقود، فانا لا نعلم أن ابليس كان يأكل ويشرب، فأما من قال إن الملائكة رسل الله، ولا يجوز عليهم أن يرتدوا. فلا نسلم لهم أن جميع الملائكة رسل الله، وكيف نسلم ذلك، وقد قال الله تعالى
{ { الله يصطفي من الملائكة رسلاً } فأدخل (من) للتبعيض، فدل على أن جميعهم لم يكونوا رسلا أنبياء، كما انه تعالى قال { { ومن الناس } فدل على أن جميع الناس لم يكونوا انبياء. وقوله { ففسق عن أمر ربه } معناه خرج عن أمر ربه الى معصيته بترك السجود لآدم. وأصل الفسق الخروج الى حال تضر، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وفسقت الفارة إذا خرجت من حجرها قال رؤبة:

يهوين فى نجد وغوراً غايراً فواسقاً عن قصدها جوائرا

وقال ابو عبيدة: هذه التسمية لم أسمعها في شيء من أشعار الجاهلية، ولا أحاديثها، وانما تكلمت بها العرب بعد نزول القرآن، قال المبرد: والأمر على ما ذكر أبو عبيدة، وهي كلمة فصيحة على ألسنة العرب، وأوكد الأمور ما جاء في القرآن. وقال قطرب: معنا { ففسق عن أمر ربه } عن رده أمر ربه، كقولهم كسوته عن عرى وأطعمته عن جوع، ثم خاطب تعالى الخلق الذين أشركوا بالله غيره، فقال { أفتتخذونه يعني إبليس وذريته أولياء } أي أنصاراً توالونهم من دون الله { وهم } يعني ابليس { وذريته عدو لكم } يريدون بكم الهلاك والدمار { بئس } البدل { للظالمين بدلاً } ونصب { بدلا } على التمييز.
ثم قال { ما أشهدتهم خلق السماوات } وقيل معناه ما أشهدتهم ذلك مستعيناً بهم، وقيل معناه ما أشهدت بعضهم خلق بعض. ووجه اتصال ذلك بما قبله اتصال الحجة التي تكشف حيرة الشبهة، لانه بمنزلة ما قيل إنكم قد أقبلتم على اتباع ابليس وذريته حتى كأن عندهم ما تحتاجون اليه، فلو اشهدتهم خلق السموات والأرض وخلق أنفسهم، فلم يخف عليهم باطن الأمور وظاهرها لم تزيدوا على ما أنتم عليه فى امركم. ثم قال تعالى { وما كنت متخذ المضلين عضداً } يعني اعواناً، وهو قول قتادة وهو من اعتضد به إذا استعان به. وفي عضد خمس لغات، وهي عَضَد وعُضُد وعَضِد وعُضْد وعَضُد.
ثم اخبر تعالى عن حالهم يوم القيامة فقال واذكر يوم يقول الله تعالى للمشركين نادوا شركائي الذين زعمتم - على وجه التقريع والتوبيخ - واستغيثوا بهم، فدعوهم يعني المشركين يدعون أولئك الشركاء الذين عبدوهم مع الله، فلا يستجيبون لهم ثم قال تعالى { وجعلنا بينهم موبقاً } قال ابن عباس أي مهلكاً، وبه قال قتادة والضحاك وابن زيد، وهو من أوبقته ذنوبه أي اهلكته. وقال الحسن معنا { موبقاً } أي عداوة، كأنه قال عداوة مهلكة. وقال أنس بن مالك: هو واد في جهنم من قيح ودم. وحكى الكسائي وبق يبق وبوقاً، فهو وابق إذا هلك، وحكى الزجاج: وبق الرجل يوبق وبقاً. والوبق مصدر وبق.