خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
٦١
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً
٦٢
تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً
٦٣
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً
٦٤
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
٦٥
-مريم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

{ جنات } فى موضع نصب بدلا من قوله "الجنة" فى قوله "يدخلون الجنة" وكان يجوز الرفع بتقدير هي جنات. والجنة البستان الذي يجنه الشجر، فاذا لم يكن فى البستان شجر، ويكون من خضرة، فهو روضة، ولا يسمى جنة. وانما قيل { جنات } على لفظ الجمع، لان كان واحد من المؤمنين له جنة تجمعها الجنة العظمى. والعدن الاقامة يقال: عدن بالمكان يعدن عدناً اذا أقام به. والاقامة كون بالمكان على مرور الازمان. والوعد الاخبار بما يتضمن فعل الخير، ونقيضه الوعيد، وهو الاخبار عن فعل الشر. وقد يقال: وعدته بالشر، ووعدته بالخير، وأوعدته بالشر. وأوعدته لا يكون إلا فى الشر، والمراد بالوعد - ها هنا - الموعود. ومعنى مأتيا مفعولا. ويجوز فى مثل هذا (آتياً) و (مأتياً) لأن ما أتيته، فقد اتاك وما أتاك فقد أتيته، كما يقال أتيت على خمسين سنة وأتت عليّ خمسون سنة. وقيل معناه إنه كقولك اتيت خير فلان وأتاني خير فلان.
وقوله { بالغيب } معناه أن الجنة التي وعدهم بها ليست حاضرة عندهم بل هي غائبة. وقوله { لا يسمعون فيها لغواً } معناه لا يسمعون فى تلك الجنة القول الذي لا معنى له يستفاد، وهو اللغو. وقد يكون اللغو الهذر من الكلام. واللغو، واللغا بمعنى واحد قال الشاعر:

عن اللغا ورفث التكلم

وقوله { إلا سلاماً } يعني لكن سلاماً وتحية من بعضهم لبعض، قال ابو عبيدة: تقديره لا يسمعون فيها لغواً إلا انهم يسمعون سلاماً. وقال الزجاج: المعنى لا يسمعون كلاماً يؤثمهم إلا كلاماً يسلمهم، فيكون استثناء منقطعاً.
وقوله { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } قيل معناه في مقدار اليوم من أيام الدنيا، فذكر (الغداة والعشي) ليدل على المقدار، لانه ليس في الجنة ليل، ولا نهار. وقيل: انما ذكر ذلك، لأن اسلم الا كلات اكلة الغداة والعشي، فهو اسلم من الأكل دائماً أيّ وقت وجده، أو تكون اكلته واحدة.
وقوله { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً } معناه انما نملك تلك الجنة من كان تقياً فى دار الدنيا بترك المعاصي، وفعل الطاعات. وانما قال { نورث } مع انه ليس بتمليك نقل من غيرهم اليهم، لأنه مشبه بالميراث من جهة أنه تمليك بحال استؤنفت عن حال قد انقضت من أمر الدنيا، كما ينقضي حال الميت من أمر الدنيا. وقيل: انه أورثهم من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا.
وقوله { وما نتنزل إلا بأمر ربك } قيل في معناه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) استبطأ جبرائيل (ع) فقال
"ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا" فاتاه بهذا الجواب وحياً من الله بأنا لانتنزل إلا بأمر الله، وهو قول ابن عباس والربيع وقتادة والضحاك ومجاهد وابراهيم.
وقوله { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } قال ابن عباس والربيع وقتادة والضحاك وأبو العالية: له ما بين أيدينا: الدنيا، وما خلفنا: الآخرة، وما بين ذلك: ما بين النفختين.
وقوله { وما كان ربك نسياً } أي ليس الله تعالى ممن ينسى ويخرج عن كونه عالماً، لانه عالم لنفسه، وتقديره - ها هنا - وما نسيك وإن أخر الوحي عنك.
وقوله { رب السماوات والأرض } معناه إن الله تعالى هو المالك المتصرف فى السموات والارض، ليس لأحد منعه منه { وما بينهما } يعني وله ما بين السموات والارض.
ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { فاعبده } وحده لا شريك له { واصطبر لعبادته } أي اصبر على تحمل مشقة عبادته، وقال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { هل تعلم له سمياً } أي مثلا وشبهاً. وهو قول ابن عباس ومجاهد وابن جريج. وقيل المعنى انه لا يستحق احد ان يسمى إلهاً إلا هو. ومن أدغم اللام فى التاء، فلان مخرج اللام قريب من مخرج التاء. وقال ابو علي: ادغام اللام في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائز لقرب مخرج بعضها من بعض.