خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً
٧١
ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً
٧٢
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً
٧٣
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً
٧٤
قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً
٧٥
-مريم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابن عامر "وريا" بغير همز. الباقون بهمز، من همز فمعناه المنظر الحسن (فعيل) من الرؤية، ومن لم يهمز احتمل أن يكون خفف الهمزة كما قالوا في البريئة برية ويحتمل أن يكون مأخوذاً من الري، وهو امتلاء الشباب والنظارة، أي ترى الري فى وجوههم. وقرأ سعيد بن جبير "وريا" جعله من الري وقرئ بالزاي، ومعناه ما يتزيا به.
وقرأ ابن كثير "مقاماً" - بضم الميم - الباقون بفحتها. فالمقام - بضم الميم - مصدر الاقامة. وبفتحها المكان، كقوله
{ { مقام إبراهيم } وقرأ يعقوب الحضرمي وعاصم والجحدري وابن أبي ليلى وابن عباس { ثم ننجي } بفتح الثاء بمعنى هناك ننجي المتقين. والباقون { ثم } بضم التاء حرف عطف.
يقول الله تعالى للمكلفين انه ليس منكم أحد إلا وهو يرد جهنم، فان الكناية في قوله { إلا واردها } راجعة الى جهنم بلا خلاف، إلا قول مجاهد، فانه قال: هي كناية عن الحمى والامراض. وروى في ذلك خبراً عن النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ابي هريره. وقال قوم: هو كناية عن القيامة. واقوى الاقوال الأول، لقوله تعالى { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } يعني في جهنم.
واختلفوا في كيفية ورودهم اليها، فقال قوم - وهو الصحيح -: إن ورودهم هو وصولهم اليها واشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها، لأن الورود فى اللغة هو الوصول الى المكان. واصله ورود الماء، وهو خلاف الصدور عنه. ويقال: ورد الخبر بكذا، تشبيها بذلك. ويدل على أن الورود هو الوصول الى الشيء من غير دخول فيه قوله تعالى { ولما ورد ماء مدين } وأراد وصل اليه. وقال زهير:

فلما وردن الماء زرقاً جمامه وضعن عصيّ الحاضر المتخيم

وقال قتادة وعبد الله بن مسعود: ورودهم اليها، هو ممرهم عليها. وقال عكرمة يردها الكافر دون المؤمن، فخص الآية بالكافرين. وقال قوم شذاذ: ورودهم إليها: دخولهم فيها ولو تحلة القسم. روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه: اللهم أزحني من النار سالماً وادخلني الجنة غانماً. وهذا الوجه بعيد، لان الله قال { { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها. وذلك متناقض، فاذاً المعني بورودهم أشرافهم عليها، ووصولهم اليها.
وقوله { كان على ربك حتماً مقضياً } معناه إن ورودهم الى جهنم على ما فسرناه حتم من الله وقضاء قضاه لا بد من كونه. والحتم القطع بالأمر، وذلك حتم من الله قاطع. والحتم والجزم والقطع بالامر معناه واحد. والمقضي الذي قضى بأنه يكون.
ثم قال تعالى { ثم ننجي الذين اتقوا } معاصي الله وفعلوا طاعاته من دخول النار { ونذر الظالمين } أي ندعهم فيها ونقرهم على حالهم { جثياً } باركين على ركبهم { في جهنم }. ثم قال { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } اي إذا قرئت على المشركين أدلة الله الظاهرة وحججه الواضحة { قال الذين كفروا } بوحدانيته وجحدوا أنبياءه للذين صدقوا بذلك مستفهمين لهم وغرضهم الانكار عليهم { أي الفرقين خير مقاماً } أي منزل اقامة فى الجنة او في النار { وأحسن ندياً } اي مجلساً وقيل معناه اوسع مجلسا واحسن نديا، فالندي المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله، يقال: ندوت القوم اندوهم ندواً إذا جمعتهم في مجلس. وفلان فى ندى قومه وناديهم بمعنى واحد واصله مجلس الندى وهو الكرم، وقال حاتم:

ودعوت فى اولى النديّ ولم ينظر اليّ بأعين خزر

والمراد بالفريقين فريق المشركين وفريق المؤمنين، فيفتخرون على المؤمنين بكثرة نعمهم وحسن احوالهم وحال مجلسهم، فقال الله تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً } والاثاث المتاع والرئي المنظر، وهو قول ابن عباس. وقال ابن الاحمر: واحد الاثاث اثاثة كحمام وحمامة. وقال الفراء: لا واحد له، ويجمع اثة وأثث. ويجوز في { رئيا } ثلاثة اوجه في العربية: رئيا بالهمز قبل الياء، وريئا بياء قبل الهمزة وهو على قولهم راءني علي وزن راعني، وريا بترك الهمزة - فى قول الزجاج - ويجوز أن يكون من الزاي انشد لابن دريد:

اهاجتك الضغائن يوم بانوا بذي الزي الجميل من الاثاث

ثم قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { قل } يا محمد { من كان في الضلالة } عن الحق والعدول عن اتباعه { فليمدد له الرحمن مداً } أي يمدهم ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة، كما قال { { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } وانما ذكر بلفظ الامر ليكون آكد كأنه ألزم نفسه إلزاماً كما يقول القائل: آمر نفسي، ويقول من زارني فلأكرمه، فيكون الزم من قوله اكرمه. ويجوز أن يكون أراد { فليمدد له الرحمن مداً } فى عذابهم فى النار، كما قال { { ونمد له من العذاب مدّاً } وقوله { حتى إذا رأوا ما يوعدون } أي شاهدوا ما وعدهم الله به { إما العذاب } والعقوبة على المعاصي "وإما" القيامة والمجازاة لكل أحد على ما يستحقه { فسيعلمون } حينئذ ويتحققون { من هو شر مكاناً وأضعف جنداً } آلكفار أم المؤمنين. وفى ذلك غاية التهديد فى كونهم على ما هم عليه. وقيل العذاب - ها هنا - المراد به ما وعد المؤمنون به من نصرهم على الكفار فيعذبونهم قتلا واسراً، فسيعلمون بالنصر والقتل انهم أضعف جنداً من جند النبي والمسلمين، ويعلمون بمكانهم من جهنم ومكان المؤمنين من الجنة، من هو شر مكاناً.