المعنى واللغة:
أنزل الله تعالى هذه الآية، وقد علم أنه سيزل الزالّون من الناس، فتقدم في ذلك، وأوعد فيه، لكي تكون الحجة على خلقه. يقال: زلّ يزل زلاً، وزللاً، ومزلاً، وزلولاً. ومعنى الآية {فان زللتم} بمعنى تنحيتم عن القصد، والشرائع، وتركتم ما أنتم عليه من الدين {من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز} في نعمته {حكيم} في أمره، لا تعجزونه، وحكيم فيما شرع لكم من دينه، وفطركم عليه، وفيما يفعل بكم من عقوبة على معاصيكم إياه بعد إقامة الحجة عليكم.
وذكر جماعة من أهل التأويل: أن {البينات} هم محمد (صلى الله عليه وسلم) والقرآن، ذهب اليه السدي، وابن جريج، وغيرهما. وقيل: زلّ في الآية: مجاز تشبيهاً بمن زلّ عن قصد الطريق، وحقيقته: عصيتم الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه. والأولى أن يكون ذلك حقيقة بالعرف.
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة: أن الله يريد القبيح، لأنه لو أراده لما صح وصفه بأنه حكيم. فان قيل: سواء زلّ العباد أو لم يزلوا، وجب أن يعلم أن الله عزيز حكيم فما معنى الشرط؟ قيل، لأن معنى {عزيز} هو القادر الذي لا يجوز عليه المنع من عقابكم {حكيم} في عقوبته إياكم، فكأنه قال: فاعلموا أن العقاب واقع بكم لا محالة، لأنه عزيز لا يجوز أن يحول بينه وبين عقوبتكم حائل،
ولم يمنعه مانع {حكيم} في عقوبته إياكم، وذلك أن حري لهم وصفه بأنه عزيز أنه قدير لا يمنع، لأنه قادر لنفسه. و {حكيم} معناه عليم بتدبير الأمور. ويقال: {حكيم} في أفعاله بمعنى محكم لها وأصل العزة الامتناع، ومنه أرض عزاز: إذا كانت ممتنعة بالشدة وأصل الحكمة المنع من قول الشاعر:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
ومنه حكمة الدابة