خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٢٣
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قيل في معنى قوله: { حرث لكم } قولان:
أحدهما - أن معناه: مزرع أولادكم، كأنه قيل: محترث لكم، في قول ابن عباس، والسدي، وإنما الحرث: الزرع في الاصل.
والقول الثاني: نساؤكم ذو حرث لكم، فأتوا موضع حرثكم أنى شئتم، ذكره الزجاج. وقيل: الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه.
وقوله: { أنى شئتم } معناه: من أين شئتم - في قول قتادة، والربيع - وقال مجاهد: معناه كيف شئتم. وقال الضحاك معناه متى شئتم، وهذا خطأ عند جميع المفسرين، وأهل اللغة، لأن (أنى) لا يكون إلا بمعنى من أين، كما قال:
{ أنى لك هذا قالت هو من عند الله } }. وقال بعضهم: معناه من أي وجه واستشهد بقول الكميت بن زيد:

أنى ومن أين آبك الطرب من حيث لا صبوة ولا ريب

وهذا لا شاهد فيه، لأنه يجوز أن يكون أتى به، لاختلاف اللفظين، كما يقولون: متى كان هذا وأي وقت كان، ويجوز أن يكون بمعنى كيف. وتأول مالك، فقال: { أنى شئتم } تفيد جواز الاتيان في الدبر، ورواه عن نافع عن أبي عمرو، وحكاه زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر، وروي من طرق جماعة عن ابن عمر، وبه قال أكثر أصحابنا، وخالف في ذلك جميع الفقهاء، والمفسرين، وقالوا: هذا لا يجوز من وجوه:
أحدها - أن الدبر ليس بحرث، لأنه لا يكون فيه الولد. وهذا ليس بشيء لأنه لا يمتنع أن تسمى النساء حرثاً، لانه يكون منهنّ الولد، ثم يبيح الوطىء فيما لا يكون منه الولد، يدل على ذلك أنه لا خلاف أنه يجوز الوطىء بين الفخذين وإن لم يكن هناك ولد.
وثانيها - قالوا: قال الله: { فأتوهن من حيث أمركم الله } وهو الفرج، والاجماع على أن الآية الثانية ليست بناسخة للأولى. وهذا أيضاً لا دلالة فيه، لأن قوله: { من حيث أمركم الله } معناه: من حيث أباح الله لكم، أو من الجهة التي شرعها لكم، على ما حكيناه عن الزجاج، ويدخل في ذلك الموضعان معاً.
وثالثها - قالوا: إن معناه: من أين شئتم: أي اأتوا الفرج من أين شئتم، وليس في ذلك إباحة لغير الفرج. وهذا ايضاً ضعيف، لأنا لا نسلم أن معناه الفرج، بل عندنا معناه: اأتوا النساء، أو اأتوا الحرث من أين شئتم، ويدخل فيه جميع ذلك.
ورابعها - قالوا: قوله في المحيض { قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } فاذا حرم للاذى في الدم، والأذى بالنجو أعظم منه. وهذا أيضاً ليس بشيء، لأن هذا حمل الشيء على غيره من غير علة، على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله: { قل هو أذى } غير النجاسة، بل المراد أن في ذلك مفسدة، ولا يجوز أن يحمل على غيره إلا بدليل يوجب العلم على أن الأذى بمعنى النجاسة حاصل في البول، ودم الاستحاضة ومع هذا، فليس بمنهي عن الوطىء في الفرج.
ويقال: أن هذه الآية نزلت رّداً على اليهود، وأن الرجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول، فأكذبهم الله في ذلك، ذكره ابن عباس، وجابر، ورواه أيضاً أصحابنا. وقال الحسن: أنكر اليهود إتيان المرأة قائمة، وباركة، فأنزل الله إباحته بعد أن يكون في الفرج، وهو السبب الذي روي، ولا يمنع أن يكون ما ذكرناه مباحاً، لأن غاية ما في السبب أن تطابقه الاية، فأما أن لا تتعداه، فلا يجب عند أكثر المحصلين.
وقوله: { وقدموا لأنفسكم } أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها عباده، ورغبهم فيها، فتكون ذخراً عند الله.
ووجه اتصال قوله: { وقدموا لأنفسكم } بما قبله: أنه لما قدم الأمر بعد أشياء قيل: { قدموا لأنفسكم } بالطاعة فيما أمرتم به، واتقوا مجاوزة الحدّ فيما بين لكم، وفي ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه، والتحذير من مخالفة ما ألزموه.
وقوله: { وبشر المؤمنين } فالبشارة: الدلالة على ما يظهر به السرور في بشر الوجه.
وقوله: { أنكم ملاقوه } أي اتقوا من معاصيه التي نهاكم عنها، واتقوا عذابه، واعلموا أنكم ملاقوا عذابه إن عصيتموه، وملاقوا ثوابه إن أطعتموه، وإنما أضافه اليه على ضرب من المجاز، كما يقول القائل لغيره: ستلقى ما عملت، وإنما يريد جزاء ما عملت، فيسمي الجزاء باسم الشيء.