خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٢٧
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
عزيمة الطلاق في الحكم - عندنا - أن يعزم، ثم يتلفظ بالطلاق، ومتى لم يتلفظ بالطلاق بعد مضي أربعة أشهر، فان المرأة لا تبين منه إلا أن تستدعي، فان استدعت، ضرب الحاكم مدة أربعة أشهر ثم توقف بعد أربعة أشهر، فيقال له: فيء أو طلق، فان لم يفعل، حبسه حتى يطلق، ومثل هذا قال أهل المدينة غير أنهم قالوا: متى امتنع من الطلاق والفيأة، طلق عنه الحاكم طلقة رجعية. وقال أهل العراق: الايلاء: أن يحلف ألاّ يجامعها أربعة أشهر فصاعداً، فاذا مضت أربعة أشهر فلم يقربها، بانت منه بتطليقة لا رجعة له عليها، وعليها عدة ثلاث حيض، يخطبها في العدة، ولا يخطبها غيره، فان فاء قيل أربعة أشهر: أي إن جامع، كفر يمينه، وهي امرأته. وقال الحسن، وقتادة, وابن مسعود، وابراهيم، وابن عباس؛ وحماد: هو مضي أربعة أشهر قبل أن يفيء من غير عذر.
اللغة:
والعزم: هو العقد على فعل شيء في مستقبل الوقت. والعزم على الشيء هو إرادته له: إذا كانت مقدمة للفعل بأكثر من وقت واحد، وتكون متعلقة بفعل العازم، ولا يدخل بينهما، وبين الفعل سهو، ولا نسيان. يقال: عزم عزماً: إذا عقد على أن يفعل الشيء، واعتزم اعتزاماً. وعزمت عليك لتفعلن: أي أقسمت. وعزم الراقي: كأنه أقسم على الداء. ورجل ماضي العزم: حاد في أمره. وما لفلان عزيمة: أي ما يثبت على أمر، لتلونه، ومنه قوله:
{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } }. وعزائم القرآن التي تقرأ على ذوي الآفات، لما يرجى من البرء بها. وأصل الباب العزم على العقد على الشيء.
والطلاق: حل عقدة النكاح بما يوجبه في الشريعة. تقول: طلقت تطلق طلاقاً، فهي طالق - بلا علامة التأنيث، حكاه الزجاج. وقال قوم: لأنه يختص بالمؤنث. وقال الزجاج: هذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئاً كثيراً يشترك فيه المؤنث، والمذكر - بلا علامة التأنيث - نحو قولهم: بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل، وناقة ساعل. وزعم سيبويه، وأصحابه: أن هذا واقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث، لأن المعنى: هي طالق حقيقة - عندهم - أنه على جهة النسب، نحو قولهم: إمرأة مذكار، ورجل مذكار، ورجل مئناث، وامرأة مئناث، ومعناه: ذات ذُكرانٍ، وذات أناث، وكذلك مطفل: ذات طفل، وكذلك طالق: ذات طلاق. فان أجريته على الفعل قلت طالقة، قال الشاعر:

أيا جارتا بيني فانك طالقه! كذاك أمور الناس غاد وطارقه

تقول: طلقها، وتطلق تطلقاً، وأطلق إطلاقاً، واستطلق استطلاقاً، وانطلق انطلاقاً، وتطلقت المرأة عند الولادة، فهي مطلوقة إذا تمخضت. والطلق: الشوط من الجري. والطلق: قيد من قدّم أو عقب تقيد به الابل. ورجل طلق الوجه: بهلول ضحاك. ويوم طلق إذا لم يكن فيه حرّ، ولا قر. والطليق: الأسير يخلى عنه ورجل طلق اليدين: سمح بالعطاء. والطلق: الحبل الشديد الفتل، يقوّم قيّام. وأصل الباب الانطلاق، والطلاق، لانطلاق المرأة فيه على عقدة النكاح.
المعنى:
والطلاق بعد الايلاء، والايقاف يكون واحدة رجعية، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن عمر. وقال الحسن وابن مسعود، وابن عباس: تكون بائنة.
وقوله: { فإن الله سميع عليم } فيه دلالة على الأخذ بالفيء أو الطلاق، لأنه بمعنى. أن الله يسمع قوله، ويعلم ضميره. وقيل: بل هو راجع الى يسمع الايلاء، ويعلم بنيته، وكلاهما يحتمل في اللغة - على قول الزجاج - وحقيقة السميع: هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المسموعات إذا وجدت. وهو يرجع الى كونه حياً لا آفة به. والسامع: هو المدرك. والله تعالى يوصف بما لم يزل بأنه سميع، ولا يوصف فيما لم يزل بأنه سامع، وإنما يوصف بأنه سامع إذا وجدت المسموعات. وإنما ذكر عقيب الأول { أن الله غفور رحيم } لأنه لما أخبر عن المولى أنه يلزمه الفيء، أو الطلاق بين أنه إن فاء { فإن الله غفور رحيم } بأن يقبل رجوعه، ولا يتبعه بعقاب ما ارتكبه. وذكر ها هنا أنه "سميع عليم" لما أخبر عنه بايقاع الطلاق، وكان ذلك مما يسمع، أخبر أنه لا يخفى عليه، وأنه يسمعه، لأنه على صفة يوجب إدراكه لذلك، وأنه عالم ببيانه، فلا الذي ذكر في الآية الآولى يليق بهذه الآية، ولا الذي ذكر ها هنا يليق هناك، وذلك من عظم فصاحة القرآن، وجلالة مواقعه.