خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة وعاصم وابن عامر { يحسبهم } - بفتح السين - الباقون بكسرها. قال مجاهد، والسدي: الفقراء مذكورون في الآية هم فقراء المهاجرين. وقال أبو جعفر (ع) نزلت في أصحاب الصّفة. والعامل في الفقراء محذوف وتقديره النفقة للفقراء وقد تقدم ما يدل عليه. وقال بعضهم هو مردود على اللام الاولى في قوله: { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم } قال الرماني هذا لا يجوز لأن بدل الشيء من غيره لا يكون إلا والمعنى يشتمل عليه. وليس كذلك ذكر النفس ها هنا، لأن الانفاق لها من حيث هو عائد عليها، وللفقراء من حيث هو. واصل إليهم وليس من باب { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } لأن الأمر لازم للمستطيع خاصة ولا يجوز أن يكون العامل فيه { تنفقوا } لأنه لا يفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه كما لا يجوز كانت الحمى تأخذ.
اللغة:
وقوله: { الذين أحصروا } فالاحصار منع النفس عن التصرف لمرض أو حاجة أو مخافة والحصر هو منع الغير وليس كالأول، لأنه منع النفس. وقال قتادة وابن زيد: منعوا أنفسهم من التصريف في التجارة للمعاش خوف العدو من الكفار. وقال السدي: منعهم الكفار والخوف منهم، ولو كان الأمر على ما ذكر لكان حصروا لأن الذي يمنعه العدو محصور والذي يمنع نفسه محصر، ويحسبهم - بفتح السين وكسرها - لغتان ومعناه يظنهم ولا يعرف حالهم { أغنياء من التعفف } وقوله: { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } ليس معناه أنهم لا يقدرون وإنما معناه أنهم ألزموا أنفسهم أمر الجهاد فمنعهم ذلك من التصرف كقولك: أمرني الوالي أن أقيم، فما أقدر أن أبرح معناه ألزمت نفسي طاعته لا أني لا أقدر عليه. وتقول ضربت في الأرض ضرباً ومضرباً إذا سرت فيها وضرب الجرح إذا آلم ضرباناً وضرباً، وضرب الفحل الناقة: إذا طْرقها ضرباً والضريب. الجليد تقول: ضربت الأرض وجلدت. رواه الكسائي. وقوله: { تعرفهم بسيماهم } فالسيما العلامة.
المعنى:
وقال مجاهد: معناه ها هنا التخشع. وقال السدي، والربيع: علامة الفقر وأصل سيما الارتفاع لأنها علامة رفعت للظهور. ومنه السؤم في البيع: وهو الزيادة في مقدار الثمن، للارتفاع فيه عن الحد. ومنه سوم الخسف للتوقع فيه بتحميل ما يشق. ومنه سوم الماشية إرسالها في المرعى. وقوله: { لا يسألون الناس إلحافاً } لا يدل على أنهم كانوا يسألون غير إلحاف - في قول الفراء، والزجاج، والبلخي، والجبائي - وإنما هو كقولك ما رأيت مثله. وأنت لم ترد أن له مثلاً ما رأيته وإنما تريد أنه ليس له مثل فيرى. وقال الزجاج معناه لم يكن سؤال، فيكون إلحاح كما قال امرؤ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا

والمعنى لا منار به فيهتدى بها، وإنما وجهوه على ذلك، لأن في الكلام دليلاً عليه، لأنه (تعالى) وصفهم بالتعفف والمعرفة بسيماهم دون الافصاح بسؤالهم لأنهم لو أفصحوا به لم يحسبهم الجاهل أغنياء، لأنه إنما يجهل ما ينال بالاستدلال وإنما جاز هذا الاختصاص بالذكر لأن المعنى نفي صفة الذم عنهم. وقوله: { إلحافاً } قال الزجاج هو مأخوذ من اللحاف لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية وقال غيره: لأنه يلزم لزوم اللحاف في غير وقته. وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة في الاستطاعة، لأنه تعالى إذا عذر من لا يستطيع للمخافة كان من لا يستطيع لعدم القدرة أعذر. وقوله { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } معناه يجازيكم عليه كما قال { وما تنفقوا من خير يعلمه الله }.