خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٧٧
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
إن قيل: إذا كان الثواب يستحق بخلوص الايمان فلم يشرط غيره من الخصال؟ قلنا: لم يذكر ذلك ليكون شرطاً في استحقاق الثواب على الايمان وإنما بين أن كل خصلة من هذه الخصال يستحق به الثواب ونظير ذلك ما ذكره في آية الوعيد في قوله:
{ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً } فانما بين أن كل خصلة من هذه الخصال يستحق بها العقاب لأن من المعلوم أن من دعا مع الله إلهاً آخر لا يحتاج إلى شرط عمل آخر استحق العقاب وإن كان الوعيد إنما يتوجه عليه بمجموع تلك الخصال لكان فيه تسهيل لكل واحد منهما وليس التقييد في آيتي الوعيد يجري مجرى قوله: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } من قبل أن هذا معلق بحكم يجب بوجوبه ويرتفع بارتفاعه باجماع وليس كذلك ذكر هذه الخصال. وهذه الآية تدل على أن أفعال الجوارح ليست من الايمان وإن الايمان هو التصديق بما وجب لأنها لو كانت من الايمان، لكان قوله { إن الذين آمنوا } قد اشتمل عليها فلا معنى لذكرها بواو العطف إذ لا يعطف الشيء على نفسه. فان قيل ذلك يجري مجرى قوله: { الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله } وقوله: { الذين كفروا وكذبوا بآياتنا } قلنا والخلاف في هاتين كالخلاف في تلك لأنا لا نقول إن التكذيب بالآيات هو الكفر نفسه وإنما نقول هو دلالة على الكفر وكذلك الصد عن سبيل الله كما نقول: إن قول النبي (صلى الله عليه وسلم) فلان كافر يدل على كفره. وإن يكن ذلك كفراً وقال قوم: من المرجئة إن الوعد بهذه الخصال يدل على بطلان التحابط، لأنه تعالى ضمن الثواب بنفس فعل هذه الخصال، ولم يشرط ألا يأتي بما يحبطها فان قيل لابد أن يكون ذلك مشروطاً كما أن الوعيد على الكفر لابد أن يكون مشروطاً بارتفاع التوبة منه، لأن كل واحد من الأمرين إنما يستحق بخلوه مما ينافيه وإذا اتبع بكبيرة لم يخلص كما لم يخلص ما اتبع بتوبة. قلنا: إنما شرطنا الوعيد على الكفر بعدم التوبة لمكان الاجماع، لا لأن التوبة تسقط العقاب على الكفر، وإنما وعد الله (تعالى) تفضلا باسقاط العقاب على المعاصي بالتوبة منها، وليس مثل ذلك موجوداً في آية الوعد لأنه ليس على شرط انتفاء الكبيرة إجماع، والعمل هو التغيير للشيء بالاحداث له أو فيه فاذا قيل: عمل فلان الصالحات كان معناه أحدثها وإذا قيل: عمل الموازين والخوض والسروج والصفر وغير ذلك، كان المراد أنه أحدث فيها ما تتغير به صورتها.