خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٨
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

{ كيف } موضوعة للاستفهام عن الحال. والمعنى ها هنا التوبيخ. وقال الزجاج: هو التعجب للخلق وللمؤمنين. أي اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون. وقد ثبتت حجة الله عليهم.
ومعنى { وكنتم } أي وقد كنتم. الواو واو الحال. واضمار قد جائز اذا كان في الكلام ما يدل عليها. كما قال: { حصرت صدورهم } أي قد حصرت صدورهم وكما قال: { إن كان قميصة قد من دبر } أي قد قُدّ من دبر. ومن قال هو توبيخ قال هو مثل قوله: { فأين تذهبون }. وقال قتادة: وكنتم امواتاً فأحياكم كما كانوا امواتاً في اصلاب آبائهم يعني نطفاً، فاحياهم الله بأن أخرجهم ثم اماتهم الله الموتة التي لا بد منها، ثم احياهم بعد الموت. وهما حياتان وموتان وعن ابن عباس وابن مسعود أن معناه لم تكونوا شيئاً فخلقكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة. وروى ابو الأحوص عن عبد الله في قوله: { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال: هي كالتي في (البقرة): { كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } وهو قول مجاهد وجماعة من المفسرين. وروي عن أبي صالح أنه قال: كنتم امواتاً في القبور فأحياكم فيها،، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة وقال قوم: كنتم امواتاً يعني خاملي الذكر، دارسي الاثر، فاحياكم بالطهور والذكر ثم يميتكم عند تقضي آجالكم ثم يحييكم للبعث قال ابو نخيلة السعدي:

فاحييت من ذكري وما كان خاملا ولكن بعض الذكر انبه من بعض

وهذا وجه مليح غير أن الاليق بما تقدم قول ابن عباس وقتادة وقال قوم: معناه أن الله تعالى احياهم حين أخذ الميثاق منهم وهم في صلب آدم وكساهم العقل ثم اماتهم ثم احياهم واخرجهم من بطون امهاتهم. وقد بينا أن هذا الوجه ضعيف في نظائره، لأن الخبر الوارد بذلك ضعيف والاقوى في معنى الآية أن يكون المراد بذلك تعنيف الكفار واقامة الحجة عليهم بكفره وجحودهم ما انعم الله تعالى عليهم وانهم كانوا أمواتاً قبل ان يخلقوا في بطون امهاتهم واصلاب آبائهم يعني نطفاً والنطفة موات، ثم احياهم فاخرجهم إلى دار الدنيا احياء، ثم يحييهم في القبر للمساءلة، ثم يبعثهم يوم القيامة للحشر والحساب وهو قوله تعالى: { ثم إليه ترجعون } معناه ترجعون للمجازاة على الاعمال كقول القائل: طريقك عليّ ومرجعك الي. يريد اني مجازيك ومقتدر عليك وسمى الحشر رجوعاً إلى الله، لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم فيه غير الله فيجازيكم على اعمالكم كما يقول القائل: امر القوم إلى الأمير أو القاضي ولا يراد به الرجوع من مكان إلى مكان وانما يراد به ان النظر صار له خاصة دون غيره فان قال قائل: لم يذكر الله احياء في القبر فكيف تثبتون عذاب القبر قلنا: قد بينا أن قوله: { ثم يحييكم } المراد به احياؤهم في القبر للمساءلة وقوله: { ثم إليه ترجعون } معناه احياؤهم يوم القيامة وحذف ثم يميتكم بعد ذلك لدلالة الكلام عليه على ان قوله: { ثم يحييكم } لو كان المراد به يوم القيامة، لم يمنع ذلك من احياء في القبر، واماتة بعده كما قال تعالى: { { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم } ولم يذكر حياة الذين احيوا في الدنيا بعد ان ماتوا. وقال في قوم موسى { { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } ولم يذكر حياتهم في الدنيا ولم يدل ذلك على أنهم لم يحييوا في الدنيا بعد الموت وكذلك ايضاً لا تدل هذه الآية على ان المكلفين لا يحيون في قبورهم للثواب والعقاب على ما أخبر به الرسول (عليه السلام) وقول من قال: لم يكونوا شيئاً. ذهب إلى قول العرب للشيء الدارس الخامل: إنه ميت يربد خموله ودرسه وفي ضد ذلك يقال: هذا أمر حي يراد به، كانه متعالم في الناس ومن اراد الاماتة التي هي خروج الروح من الجسد، فانه اراد بقوله: { وكنتم أمواتاً } انه خطاب لأهل القبور بعد احيائهم فيها وهذا بعيد لأن التوبيخ هنالك انما هو توبيخ على ما سلف، وفرط من اجرامهم لا استعتاب واسترداع وقوله: { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً } توبيخ مستعتب، وتأنيب مسترجع من خلقه من المعاصي إلى الطاعة، ومن الضلالة إلى الانابة ولا انابة في القبر ولا توبة فيها بعد الوفاة واحسن الوجوه مما قدمنا ما ذكر ابن عباس وبعده قول قتادة.