خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
٩٦
قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً
٩٧
إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
٩٨
كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي { ما لم تبصروا } بالتاء. الباقون بالياء المعجمة من اسفل. من قرأ بالتاء حمله على خطابه لجميعهم. ومن قرأ بالياء اراد: بصرت بما لم يبصروا بنو إسرائيل. وقرأ ابن كثير وابو عمرو { لن تخلفه } بكسر اللام.
الباقون بفتح اللام. والمعنى: لأن الله يكافيك على ما فعلت يوم القيامة، لأنه بذلك وعد. يقال: اخلفت موعد فلان إذا لم تف بما وعدته. ومن قرأ - على ما لم يسم فاعله - جعل الخلف من غير المخاطب، والهاء كناية عن الموعد، وهو المفعول به، والفاعل لم يذكر.
حكى الله تعالى قول موسى للسامري وسؤاله إياه بقوله { ما خطبك يا سامري } وحكى ما أجاب به السامري، فانه قال { بصرت بما لم يبصروا به } والمعنى رأيت ما لم يروه. فمن قرأ بالياء اراد ما لم يبصروا هؤلاء. ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب وبصر لا يتعدى، وإن كانت الرؤية متعدية، لأن ما كان على وزن (فعل) بضم العين لا يتعدى. غير انه وان كان غير متعد، فانه يتعدى بحرف الجر، كما عداه - ها هنا - بالباء. وقيل بصرت - ها هنا - بمعنى علمت من البصيرة. يقال: بصر يبصر اذا علم. وابصر ابصاراً اذا رأى.
وقوله { فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها } قرأ الحسن بالصاد غير المعجمة. والقراء على القراءة بالضاد المنقطة، والفرق بينهما ان (القبضة) بالضاد بملئ الكف، وبالصاد غير المعجمة بأطراف الأصابع، وقيل: انه قبض قبضة من اثر جبرائيل (ع) { فنبذتها } فى الحلي على ما اطمعتني نفسي من انقلابه حيواناً. وقال ابن زيد: معنى { سولت لي نفسي } حدثتني. وقيل: معناه زينت لي نفسي.
فان قيل: لم جاز إنقلابه حيواناً - مع انه معجز - لغير نبي؟!
قلنا: فى ذلك خلاف، فمنهم من قال: انه كان معلوماً معتاداً فى ذلك الوقت انه من قبض من اثر الرسول قبضة فألقاها على جماد صار حيواناً - ذكره ابو بكر ابن الاخشاذ - فعلى هذا لا يكون خرق عادة بل كان معتاداً. وقال الحسن: صار لحماً ودماً. وقال الجبائي: المعنى سوّلت له نفسه ما لا حقيقة له وانما خار بحيلة: جعلت فيه خروق اذا دخلتها الريح سمع له خوار منه. فقال له موسى عند ذلك { فاذهب } يا سامري { فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس } واختلفوا فى معناه، فقال قوم: معناه تقول لا أمس ولا أمس، وكان موسى امر بني إسرائيل ألاّ يؤاكلوه ولا يخالطوه ولا يبايعوه، فيما ذكر. وقال الجبائي: معناه انه لا مساس لأحد من الناس، لأنه جعل يهيم فى البرية مع الوحش والسباع. وقوله { لا مساس } بالكسر والفتح، فان كسرت فمثل لا رجال، واذا فتحت الميم بنيت على الكسر مثل نزال، قال رؤبة:

حتى تقول الأرد لا مساسا

وقال الشاعر:

تميم كرهط السامري وقوله ألا لا يريد السامري مساسا

وكله بمعنى المماسة والمخالطة. ثم قال { وإن لك موعداً لن تخلفه } من جهتنا فيمن قرأ بالفتح، ومن قرأ بالكسر معناه لا تخلفه انت، وهما متقاربان، ويريد بالموعد البعث والنشور والجزاء، اما جنة واما ناراً. ثم قال { أنظر إلى الهك } يعني معبودك عند نفسك أبصره { الذي ظلت عليه عاكفاً } قال ابن عباس: معناه اقمت عليه عاكفاً، واصله ظللت، فحذف اللام المكسورة للتخفيف وكراهية التضعيف، وللعرب فيها مذهبان، فتح الظاء، وكسرها، فمن فتح تركها على حالها، ومن كسر نقل حركة اللام اليها للاشعار باصلها. ومثله مست ومست في مسست. وهمت وهمت، فى هممت، وهل احست في احسست، قال الشاعر:

خلا ان العتاق من المطايا أحس به فهن اليه شوس

وقوله { لنحرقنه } يعني بالنار يقال: انه حرقه ثم ذراه فى البحر - في قول ابن عباس - يقال حرقته بتشديد الراء اذا حرقته بالنار وحرقته بتخفيف الراء بمعنى بردته بالمبرد، وذلك لانه يقطع به كما يقطع المحرق بالنار يقال حرقته واحرقته حرقاً، كما قال الشاعر:

بذي فرفير يوم بنو حبيب بيوتهم علينا يحرقونا

وقال زهير:

ابى الضيم والنعمان يحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله

وقرأ ابو جعفر المدني { لنحرقنه } بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء بمعنى لنبردنه. وروي ذلك عن علي (ع)، ويقال نسف فلان الطعام بالمنسف اذا ذراه لتطير عنه قشوره. وقال سعيد بن جبير: كان السامري رجلا من اهل كرمان. وقال قوم: كان من بني اسرائيل، واليه تنسب (السامرة) من اليهود. وحكى قوم: ان قبيلته الى اليوم يقولون في كلامهم: لا مساس.
ثم اقبل على قومه فقال { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو } اي ليس لكم معبود الا الله الذي { وسع كل شيء علماً } اي يعلم كل شيء، لا يخفى عليه شيء منها، وهي لفظة عجيبة فى الفصاحة.
ثم قال تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) مثل ذلك { نقص عليك من أنباء } يعني اخبار { ما قد سبق } وتقدم { وقد آتيناك من لدنا ذكراً } اي اعطيناك من عندنا علماً بأخبار الماضين. وقال الجبائي: اراد آتيناك من عندنا القرآن لأنه سماه ذكراً. ثم قال { من أعرض } عن التصديق بما اخبرناك به وعن توحيد الله، واخلاص عبادته { فإنه يحمل يوم القيامة وزراً } اي اثماً، واصل الوزر الثقل، فى قول مجاهد.