خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ
١٢٢
قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ
١٢٣
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ
١٢٤
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
١٢٥
-طه

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى عن آدم وحواء أنهما أكلا من الشجرة التي نهى الله عن أكلها، وعندنا أن النهي كان على وجه التنزيه. والأولى أن يكون على وجه الندب دون نهي الحظر والتحريم، لأن الحرام لا يكون إلا قبيحاً، والأنبياء لا يجوز عليهم شيء من القبائح لا كبيرها ولا صغيرها. وقال الجبائي: لا تقع معاصي الانبياء إلا سهواً، فأما مع العلم بأنها معاصي فلا تقع. وقال قوم آخرون: إنه وقع من آدم أكل الشجرة خطأ. لأنه كان نهي عن جنس الشجرة فظن انه نهي عن شجرة بعينها، فأخطأ فى ذلك. وهذا خطأ لأنه تنزيه له من وجه المعصية، ونسبة المعصية اليه من وجهين: أحدهما - أنه فعل القبيح. والثاني - أنه أخطأ فى الاستدلال. وقال قوم: انها وقعت منه عمداً، وكانت صغيرة، وقعت محبطة. وقد بينا أن ذلك لا يجوز عليهم (ع) عندنا بحال. وقال الرماني: لما حلف ابليس لهما لم يقبلا منه، ولم يصدقاه، ولكن فعلا ذلك لغلبة شهوتهما، كما يقول الغاوي للانسان إزن بهذه المرأة، فانك ان أخذت لم تحد، فلا يصدقه، ويزني بها لشهوته. وقال الحسن: أكلت حواء أولا وابت عليه ان يجامعها حتى يأكل منها، فأكل حينئذ.
وقوله { فبدت لهما سوآتهما } أي ظهرت لهما عوراتهما، لان ما كان عليهما من اللباس نزع عنهما، ولم يكن ذلك على وجه العقوبة بل لتغيير المصلحة فى نزعهما وإخراجهما من الجنة وإهباطهما الأرض وتكليفهما فيها. وانما جمع سوآتهما، وهو لأثنين، لأن كل شيئين من شيئين، فهو من موضع التثنية جمع، لأن الاضافة تثنية مع أنه لا إخلال فيه لمناسبة الجمع للتثنية. وقال السدي: كان لباس سوآتهما الظفر.
وقوله { طفقا } يعني ظلا، وجعلا يفعلان.
وقوله { يخصفان عليهما من ورق الجنة } فالخصف خيط الشيء بقطعة من غيره، يقال: خصفه يخصفه خصفاً، فهو خاصف وخصاف. وقيل: انهما كانا يطبقان ورق الجنة بعضه على بعض ويخيطان بعضه الى بعض ليسترا به سوآتهما.
وقوله { وعصى آدم ربه فغوى } معناه خالف ما أمره الله به فخاب ثوابه. والمعصية مخالفة الأمر سواء كان واجباً او ندباً قال الشاعر:

أمرتك امراً جازماً فعصيتني

ويقال ايضاً: أشرت عليك بكذا، فعصيتني، ويقال غوى يغوي غواية وغياً إذا خاب، قال الشاعر:

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً

أي من يخب، وفي الكلام حذف، لان تقديره ان آدم تاب الى الله وندم على ما فعل، فاجتباه الله واصطفاه { وتاب عليه } أي قبل توبته. وهداه الى معرفته والى الثواب الذي عرضه له.
وقوله { قال اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو } يعني آدم وحواء وابليس وذريته. وقد بينا معنى الهبوط فيما تقدم واختلاف الناس فيه. والمعنى أنه أخرج هؤلاء من الجنة بأن أمرهم بالخروج منها على وجه تغيير المصلحة في أمره، ولابليس على وجه العقوبة. وقد بينا فيما تقدم ان إخراج ابليس من الجنة، كان قبل ذلك حين أمره الله بالسجود لآدم فامتنع فلعنه وأخرجه، وانما أغوى آدم من خارج الجنة، لأنه قيل: ان آدم كان يخرج الى باب الجنة. وذكرنا أقوال المفسرين فى ذلك فيما مضى.
وقوله { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى } معناه ان أتاكم هدى مني بأن أكلفكم، وانصب لكم الادلة على ما آمركم به من معرفتي وتوحيدي والعمل بطاعتي، فمن اتبع أدلتي وعمل بما آمره به، فانه { لا يضل } في الدنيا { ولا يشقى } في الآخرة. وقال ابن عباس: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
وقوله { ومن أعرض عن ذكري } [أي من لم ينظر في ذكري الذي هو القرآن والادلة المنصوبة على الحق وصدف عنها] { فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } فالضنك الضيق الصعب، منزل ضنك أي ضيق، وعيش ضنك، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، لأن أصله المصدر. ثم وصف به، قال عنترة:

إن يلحقوا أكرر وان يستلحموا أشدد وان يلفوا بضنك أنزل

وقال ايضاً:

ان المنية لو تمثل مثلت مثلي اذا نزلوا بضنك المنزل

والضنك: الضيق، في قول مجاهد وقتادة: وقال الحسن وابن زيد: المعيشة الضنك هو الضريع، والزقوم في النار. وقيل: الضريع شوك من نار. وقال عكرمة والضحاك: هو الحرام في الدنيا الذي يؤدي الى النار. وقال ابن عباس: لأنه غير موقن بالخلف، فعيشه منغص. وقال ابو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وأبو صالح، والسدي، ورواه ابو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه عذاب القبر، ولقوله تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } يقتضي انه عذاب القبر.
وقوله { ونحشره يوم القيامة أعمى } قيل معناه نحشره يوم القيامة أعمى البصر. وقيل أعمى الحجة. وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدي اليها. والأول هو الظاهر اذا اطلق. فمن قال: أعمى البصر قال: معناه لا يبصر في حال ويبصر العذاب في حال. ومن قال: بالآخرة قال: هو أعمى عن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها.
وقوله { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً } حكاية عما يقول الذي يحشره أعمى { لم حشرتني أعمى } ذاهب البصر { وقد كنت بصيراً } أبصر بها. وهذا يقوي أنه أراد عمى البصر دون عمى البصيرة، لان الكافر لم يكن بصيراً في الدنيا الا على وجه صحة الحاسة. وقيل معناه كنت بصيراً بحجتي عند نفسي.