خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ
١٦
لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ
١٧
بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
١٨
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ
١٩
يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ
٢٠
-الأنبياء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

بقول الله تعالى مخبراً على وجه التمدح: إنا { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما } أي ما أنشأناها { لاعبين } ونصبه على الحال. واللعب الفعل الذي يدعو اليه الجهل بما فيه من النقص، لان العلم يدعو الى أمر، والجهل يدعو الى خلافه. والعلم يدعو الى الاحسان. والجهل يدعو الى الاساءة لتعجيل الانتفاع. واللعب يستحيل في صفة القديم تعالى، لانه عالم لنفسه. بجميع المعلومات غني عن جميع الاشياء، ولا يمتنع وصفه بالقدرة عليه كما نقول فى سائر القبائح، وإن كان المعلوم أنه لا يفعله، لما قدمناه.
ثم قال تعالى { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا } قال الحسن ومجاهد: اللهو المرأة. وقال قتادة: اللهو المرأة - بلغة أهل اليمين - وهو من اللهو المعروف، لانه يطلب بها صرف الهمّ. وهذا إنكار لقولهم: الملائكة بنات الله، والمسيح ابن الله تعالى الله عن ذلك، وروي عن الحسن البصري أيضاً انه قال: اللهو الولد.
ووجه اتصال الآية بما قبلها أن هؤلاء الذين وصفوهم أنهم بنات الله، وأبناء الله هم عبيد الله، على أتم وجه العبودية، وذلك يحيل معنى الولادة لانها لا تكون إلا مع المجانسة. ومعنى { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا } الانكار على من أضاف ذلك الى الله، ومحاجته بأنه لو كان جائزاً في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لكم أو لغيركم من العباد، لما في ذلك من خلاف صفة الحكيم الذي يقدر أن يستر النقص، فيظهره. وانما استحال اللهو على الله تعالى، لانه غني بنفسه عن كل شيء سواه، يستحيل عليه المرح. واللاهي المارح والملتذ بالمناظر الحسنة والاصوات المؤنقة.
وقوله { إن كنا فاعلين } قيل في معنى { إن } قولان:
احدهما - انها بمعنى (ما) التي للنفي، والمعنى لم نكن فاعلين.
والآخر - انها بمعنى التي للشرط، والمعنى إن كنا نفعل ذلك، فعلناه من لدنا، على ما أردناه إلا انا لا نفعل ذلك.
وقوله { من لدنا } قيل: معناه مما فى السماء من الملائكة. وقال الزجاج: معناه مما نخلقه. ثم قال تعالى { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه } معناه إنا نلقي الحق على الباطل فيهلكه، والمراد به إن حجج الله تعالى الدالة على الحق تبطل شبهات الباطل. ويقال: دمغ الرجل إذا شج شجة تبلغ أم الدماغ، فلا يحيا صاحبها بعدها.
وقوله { فإذا هو زاهق } أي هالك مضمحل، وهو قول قتادة. يقال: زهق زهوقاً إذا هلك. ثم قال لهم، يعني الكفار { ولكم الويل مما تصفون } يعنى الوقوع في العقاب، جزاء على ما تصفون الله به من اتخاذ الأولاد.
ثم اخبر الله تعالى بأن { له من في السماوات والأرض ومن عنده } يعني الملائكة أي يملكهم بالتصرف فيهم { لا يستكبرون } هؤلاء عن عبادة الله { ولا يستحسرون } قال قتادة: معناه لا يعيون. وقال ابن زيد: لا يملون، من قولهم: بعير حسير اذا أعيا ونام. ومنه قول علقمة بن عبدة:

بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض واما جلدها فصليب

وقيل: معناه يسهل عليهم التسبيح، كسهولة فتح الطرف والنفس - في قول كعب - والاستحسار الانقطاع من الاعياد مأخوذ من قولهم حسر عن ذراعه إذا كشف عنه.
ثم وصف تعالى الذين ذكرهم بأنهم { يسبحون الليل والنهار } اي ينزهونه عما أضافه هؤلاء الكفار اليه من اتخاذ الصاحبة والولد، وغير ذلك من القبائح { لا يفترون } أى يملونه فيتركونه بل هم دائمون عليه.