خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
١
مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
٢
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٣
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٤
بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ
٥
-الأنبياء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر وخلفاً { قال ربي } على وجه الخبر.. الباقون { قل ربي } على وجه الامر.
هذا اخبار من الله تعالى بأنه { اقترب للناس } يعني دنا وقت { حسابهم } ومعناه دنا وقت اظهار ما للعبد وما عليه ليجازى به وعليه. والحساب اخراج مقدار العدد بعقد يحصل. ويقال: هو إخراج الكمية من مبلغ العدة. وقيل انه دنا لأنه بالاضافة الى ما مضى يسير.
وقيل: نزلت الآية فى أهل مكة استبطؤا عذاب الله تكذيباً بالوعيد، فقتلوا يوم بدر، والاقتراب قصر مدة الشيء بالاضافة الى ما مضى من زمانه. وحقيقة القرب قلة ما بين الشيئين، يقال: قرب ما بينهما تقريباً إذا قلل ما بينهما من مدة او مساقة او اي فاصلة، والقرب قد يكون فى الزمان، وفى المكان، وفي الحال. وقد قيل: كل آت قريب، فلذلك وصف الله تعالى القيامة بالاقتراب، لأنها جائية بلا خلاف.
وقوله { وهم في غفلة معرضون } فالغفلة السهو، وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضها اليقظة، ونقيض السهو الذكر، وهو حضور المعنى للنفس، والنسيان، هو عزوب المعنى عن النفس بعد حضوره. وقوله { معرضون } يعني عن الفكر في ذلك، والعمل بموجبه. وقيل: هم في غفلة بالاشتغال بالدنيا، معرضون عن الآخرة. وقيل: هم في غفلة بالضلال، معرضون عن الهدى. وهو مثل ما قلناه.
وقوله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } معناه اي شيء من القرآن محدث بتنزيله سورة بعد سورة وآية بعد آية { إلا استمعوه وهم يلعبون } اي كل ما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل - في قول الحسن وقتادة - وفي هذه الآية دلالة على ان القرآن محدث، لأنه تعالى اخبر انه ليس يأتيهم ذكر محدث من ربهم إلا استمعوه وهم لاعبون. والذكر: هو القرآن قال الله تعالى
{ { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال { { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } يعني القرآن، ويقويه في هذه الآية قوله { إلا استمعوه } والاستماع لا يكون إلا في الكلام، وقد وصفه بأنه محدث، فيجب القول بحدوثه.
ويجوز في { محدث } الجر على انه صفة. ويجوز الرفع والنصب. فالنصب على الحال والرفع على تقدير هو محدث. ولم يقرأ بهما، وقوله { لاهية قلوبهم } نصب { لاهية } على الحال. وقال قتادة: معناه غافلة. وقال غيره: معناه طالبة للهو، هازلة. واللهو الهزل الممتع. وقوله { وأسروا النجوى الذين ظلموا } فموضع { الذين ظلموا } من الاعراب يحتمل أن يكون رفعاً على البدل من الضمير في قوله { وأسروا } كما قال تعالى
{ { ثم عموا وصموا كثير منهم } ويجوز ان يكون رفعاً على الاستئناف، وتقديره وهم الذين ظلموا. ويحتمل وجهاً ثالثاً - أن يكون خفضاً بدلا من الناس. والمعنى ان الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله وجحدهم أنبيائه، وأخفوا القول فيما بنيهم. وقالوا { هل هذا } يعنون رسول الله { إلا بشر مثلكم }. وقال قوم: معناه انهم أظهروا هذا القول لأن لفظة { أسروا } مشتركة بين الاخفاء والاظهار، والأول أصح.
وقوله { أفتأتون السحر } معناه أفتقبلون السحر { وأنتم تبصرون } أي وانتم تعلمون انه سحر. وقيل: معناه أفتعدلون الى الباطل وأنتم تعلمون الحق وتنكرون ثبوته.
ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) فقال { قل } يا محمد { ربي } الذي خلقني واصطفاني { يعلم القول في السماء والأرض } لا يخفى عليه شيء من ذلك بل يعلمه جمعيه { وهو السميع العليم } أي هو من يجب أن يسمع المسموعات إذا وجدت عالم بجميع المعلومات وقوله { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه } فالمعني في { بل } الاضراب بها عما حكى انهم قالوه أولا، والاخبار عما قالوه ثانياً، لانهم اولا قالوا: هذا الذي اتانا به من القرآن { أضغاث أحلام } اي تخاليط رؤيا، رآها فى المنام - في قول قتادة - قال الشاعر:

كضغث حلم عزمته حالمة

ثم قالوا: لا { بل افتراه } اي تخرصه وافتعله. ثم قالوا: { بل هو شاعر } وانما قالوا: هو شاعر، قول متحير، قد بهره ما سمع، فمرة يقول ساحر، ومرة يقول شاعر. ولا يجزم على أمر واحد. قال المبرد: في { أسروا } اضمار هؤلاء اللاهية قلوبهم، والذين ظلموا بدلا منه. وقال قوم: قدم علامة الجمع، لان الواو علامة الجمع، وليست بضمير، كقولهم: انطلقوا أخوتك، وانطلقا صاحباك، تشبيها بعلامة التأنيث، نحو: ذهبت جاريتك، وهذا يجوز، لكن لا يختار فى القرآن مثله.