خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٤٦
وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
٤٧
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ
٤٨
ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
٤٩
وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٠
-الأنبياء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل المدينة { مثقال حبة } برفع اللام - ها هنا - وفي القمر. الباقون بنصبها.
من رفع اللام جعل (كان) تامة بمعنى حدث، كما قال
{ { إلا أن تكون تجارة } ولا خبر لها. ومن نصبه جعل فى { كان } ضميراً ونصب { مثقال } بأنه خبر { كان } وتقديره فلا تظلم نفس شيئاً وان كان الشيء { مثقال حبة من خردل } وانما قال { بها } بلفظ التأنيث والمثقال مذكر، لان مثقال الحبة وزنها، ومثله قراءة الحسن { { يلتقطه بعض السيارة } لان بعض السيارة سيارة. وروي ان مجاهد قرأ { آتينا } ممدوداً بمعنى جازينا بها.
اخبر الله تعالى انه لو مس هؤلاء الكفار { نفحة من عذاب الله } ومعناه لو لحقهم واصابهم دفعة يسيرة، فالنفحة الدفعة اليسيرة، يقال: نفح ينفح نفحاً، فهو نافح، لأيقنوا بالهلاك، ولقالوا { يا ويلنا } اي الهلاك علينا { إنا كنا ظالمين } لنفوسنا بارتكاب المعاصي اعترافاً منهم بذلك. ومعنى { يا ويلنا } يا بلاءنا الذي نزل بنا. وانما يقال استغاثه مما يكون منه، كما يستغيث الانسان بنداء من يرفع به.
ثم قال تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } قال قتادة: معناه نضع العدل في المجازاة بالحق لكل احد على قدر استحقاقه، فلا يبخس المثاب بعض ما يستحقه، ولا يفعل بالمعاقب فوق ما يستحقه. وقال الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان، يذهب الى انه علامة جعلها للعباد يعرفون بها مقادير الاستحقاق. وقال قوم: ميزان ذو كفتين توزن بها صحف الاعمال. وقال بعضهم: يكون في احدى الكفتين نور، وفي الأخرى ظلمة، فايهما رجح، علم به مقدار ما يستحقه، وتكون المعرفة في ذلك ما فيه من اللطف والمصلحة في دار الدنيا.
وقوله { ليوم القيامة } معناه لأهل يوم القيامة. وقيل فى يوم القيامة.
وقوله { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها } معناه أنه لا يضيع لديه قليل الاعمال والمجازاة عليه، طاعة كانت أو معصية { وكفى بنا حاسبين } أي وكفى المطيع أو العاصي بمجازاة الله وحسبه ذلك. وفي ذلك غاية التهديد، لأنه إذا كان الذي يتولى الحساب لا يخفى عليه قليل ولا كثير، كان اعظم. والباء فى قوله { كفى بنا } زائدة. و { حاسبين } يحتمل أن يكون نصباً على الحال أو المصدر - فى قول الزجاج.
ثم اخبر الله تعالى فقال: { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } قال مجاهد وقتادة: هو التوراة التي تفرق بين الحق والباطل. وقال ابن زيد: هو البرهان الذي فرق بين حقه وباطل فرعون، كما قال تعالى
{ { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } }. وقوله { وضياء } أي وآتيناه ضياء يعني أدلة يهتدون بها. كما يهتدون بالضياء. وآتيناه { ذكراً للمتقين } أي مذكراً لهم، يذكرون الله به. ومن جعل الضياء والذكر حالا للفرقان قال: دخلته واو العطف، لاختلاف الأحوال، كقولك جاءني زيد الجواد والحليم والعالم. وأضافه الى المتقين، لانهم المتنفعون به دون غيرهم.
ثم وصف المتقين بأن قال { الذين يخشون } عذاب الله فيجتنبون معاصيه فى حال السر والغيب. وقال الجبائي: معناه يؤمنون بالغيب الذي أخبرهم به، وهم من مجازاة يوم القيامة { مشفقون } أي خائفون.
ثم اخبر عن القرآن، فقال { وهذا ذكر مبارك } يعني القرآن { أنزلناه } عليك يا محمد. وخاطب الكفار فقال { أفأنتم له منكرون } أي تجحدونه، على وجه التوبيخ لهم، والتقرير، وفى ذلك دلالة على حدوثه، لأن ما يوصف بالانزال وبأنه مبارك يتنزل به، لا يكون قديماً، لان ذلك من صفات المحدثات.