خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
١
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ
٢
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ
٣
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
٤
-الحج

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرا اهل الكوفه إلا عاصماً "سكرى" بلا الف بسكون الكاف في الموضعين. الباقون { سكارى }.
هذا خطاب من الله تعالى لجيمع المكلفين من البشر يأمرهم بأن يتقوا معاصي الله لانه يستحق بفعل المعاصي والاخلال بالواجبات العقوبات يوم القيامة.
ثم اخبر { إن زلزلة الساعة } يعني القيامة { شيء عظيم } والزلزلة شدة الحركة على حالة هائلة، ومنه زلزلة الارض لما يلحق من الهول، وكان اصله زلت قدمه إذا زالت عن الجهة بسرعة. ثم ضوعف فقيل: زلزل الله اقدامهم، كما قيل: دكة ودكدكة، والزلزلة والزلزال - بكسر الزاي - مصدر. والزلزال - بالفتح - الاسم قال الشاعر:

يعرف الجاهل المضلل ان الدهر فيه النكراء والزلزال

وقال علقمه والشعبي: الزلزلة من اشراط القيامة. وروى الحسن في حديث رفعه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انها يوم القيامة. والعظيم المختص بمقدار يقصر عنه غيره، وضده الحقير. والكبير نقيض الصغير.
وفي الآية دلالة على أن المعدوم يسمى شيئاً، لان الله تعالى سمى الزلزلة يوم القيامة شيئاً، وهي معدومة اليوم.
وقوله { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت } قال الفراء والكوفيون: يجوز ان يقال: مرضع بلا هاء، لأن ذلك لا يكون في الرجال، فهو مثل حائض وطامث. وقال الزجاج وغيره من البصريين: إذا أجريته على الفعل قلت ارضعت فهي مرضعة، فاذا قالوا مرضع، فالمعنى انها ذات رضاع. وقيل في قولهم: حائض وطامت معناه انها ذات حيض وطمث. وقال قوم: اذا قلت: مرضعة، فانه يراد بها ام الصبي المرضع. واذا اسقطت الهاء، فانه يراد بها المرأة التي معها صبي مرضعة لغيرها.
والمعنى ان الزلزلة هي شيء عظيم، في يوم ترون فيها الزلزلة، على وجه { تذهل كل مرضعة } اي يشغلها عن ولدها اشتغالها بنفسها، وما يلحقها من الخوف. وقال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل لغير تمام. والذهول الذهاب عن الشيء دهشاً وحيرة، تقول: ذهلت عنه ذهولا، وذهلت - بالكسر - ايضاً، وهو قليل، والذهل السلوّ، قال الشاعر:

صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل

وهذا تهويل ليوم القيامة، وتعظيم لما يكون فيه من الشدة على وجه لو كان هناك مرضعة لشغلت عن الذي ترضعه، ولو كان هناك حامل لأسقطت من هول ذلك اليوم، وإن لم يكن هناك حامل ولا مرضعة.
وقوله { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } معناه تراهم سكارى من الفزع، وما هم بسكارى من شرب الخمور. وانما جاز { وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى }، لانها رواية تخيل. وقيل: معناه كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم، فيضطربون كاضطراب السكران من الشراب. وقرأ ابو هريرة { وترى الناس } بضم التاء، والناس منصوب على أنه مفعول ثان. وتقديره وترى أن الناس. وتكون "سكارى" نصباً على الحال. ومن قرأ "سكرى" جعله مثل جرحى وقتلى. وقيل: هما جمعان كسكران وسكرانة، قال ابو زيد: يقولون: مريض ومراضى، ومرضى. فمن قرأ "سكرى" فلأن السكر كالمرض والهلاك، فقالوا: { سكرى } مثل هلكى ومثل عكلى. ومن قرأ "سكارى" فلأنه روي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قرأ كذلك.
ثم علل تعالى ذلك، فقال ليس هم بسكارى { ولكن عذاب الله شديد } فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم من الاضطراب.
ثم اخبر تعالى ان { من الناس من يجادل } أي يخاصم { في الله } فيما يدعوهم اليه من توحيد الله ونفي الشرك عنه { بغير علم } منه بل للجهل المحض { ويتبع } فى ذلك { كل شيطان مريد } يغويه عن الهدى ويدعوه الى الضلال. وذلك يدل على أن المجادل في نصرة الباطل مذموم، وأن من جادل بعلم ووضع الحجة موضعها بخلافه. و { المريد } المتجرد للفساد. وقيل أصله الملاسة، فكأنه متملس من الخير، ومنه صخرة مرداء أي ملساء، ومنه الأمرد. والمريد الداهية المنكرة. ويقال: تمرد فلان. والممرد من البناء المتطاول المتجاوز.
وقوله { كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } يقول الله تعالى انه كتب في اللوح المحفوظ ان من تولى الشيطان واتبعه واطاعه فيما يدعوه اليه، فانه يضله. وقال الزجاج: معناه كتب عليه أنه من تولاه يضله، فعطف (أن) الثانية على الأولى تأكيداً، فلذلك نصبت (أن) الثانية. والاكثر فى التأكيد أن لا يكون معه حرف عطف غير انه جائز: كما يجوز: زيد - فافهم - في الدار. وقال قوم: نصبت (أن) الثانية، لان المعنى فلأنه يضله عن طريق الحق { ويهديه إلى عذاب السعير } أي عذاب النار الذي يستعر ويلتهب. والهاء فى { كتب عليه } راجعة الى الشيطان، وتقديره كتب على الشيطان أنه من تولى الشيطان واتبعه، فان الشيطان يضله، فالهاء في يضله عائدة الى (من) في قوله { من تولاه }.