خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٥
-الحج

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر "وربأت". الباقون (ربت).
خاطب الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من البشر. فقال لهم { إن كنتم في ريب من البعث } والنشور. والريب اقبح الشك { فإنا خلقناكم من تراب } قال الحسن: المعنى خلقنا آدم من تراب الذي هو أصلكم وأنتم نسله. وقال قوم: أراد به جميع الخلق، لانه إذا أراد انه خلقهم من نطفة، والنطفة يجعلها الله من الغذاء، والغذاء ينبت من التراب والماء، فكان أصلهم كلهم التراب، ثم أحالهم بالتدريج: الى النطفة، ثم أحال النطفة علقه، وهي القطعة من الدم جامدة. ثم أحال العلقة مضغة، وهي شبه قطعة من اللحم مضوغة. والمضغة مقدار ما يمضغ من اللحم.
وقوله { مخلقة وغير مخلقة } قال قتادة: تامة الخلق، وغير تامة. وقيل: مصورة وغير مصورة. وهي السقط - فى قول مجاهد -.
وقوله { لنبين لكم } معناه لندلكم على مقدورنا، بتصريفه فى ضروب الخلق وقوله { ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } مستأنف، فلذلك رفع. وقال مجاهد: معناه نقره الى وقت تمامه.
وقوله { ثم نخرجكم طفلا يعني نخرجكم } من بطون أمهاتكم، وانتم أطفال. والطفل الصغير من الناس، ونصب طفلا على المصدر، وهو فى موضع جمع. وقيل: هو نصب على التمييز، وهو جائز، وتقديره نخرجكم أطفالا، وقيل الطفل الى قبل مقاربة البلوغ.
وقوله { ثم لتبلغوا أشدكم } يعني وقت كمال عقولكم وتمام خلقكم. وقيل: وقت الاحتلام والبلوغ، وهو جمع (شد). والأشد فى غير هذا الموضع قد بينا اختلاف المفسرين فيه. وقوله { ومنكم من يتوفى } يعني قبل بلوغ الاشد. وقيل: قبل أن يبلغ أرذل العمر { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقيل معناه أهونه واخسه عند أهله. وقيل: احقره. وقيل هي حال الخرف. وانما قيل: ارذل العمر، لان الانسان لا يرجو بعده صحة وقوة، وانما يترقب الموت والفناء، بخلاف حال الطفولية، والضعف الذي يرجو معها الكمال والتمام والقوة، فلذلك كان أرذل العمر.
وقوله { لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً } معناه إنا رددناه الى أرذل العمر لكي لا يعلم، لأنه يزول عقله من بعد أن كان عاقلا عالماً بكثرة من الاشياء، ينسا جميع ذلك.
وقوله { وترى الأرض هامدة } اي دارسة داثرة يابسة، يقال: همد يهمد هموداً إذا درسته ودثرته. قال الاعشى:

قالت فتيلة ما لجسمك شاحباً وأرى ثيابك باليات همدا

وقوله تعالى { فإذا أنزلنا عليها الماء } يعني الغيث والمطر { اهتزت وربت } فالاهتزاز شدة الحركة فى الجهات. والربو الزيارة فيها اي تزيد بما يخرج منها من النبات، وتهتز بما يذهب فى الجهات { وانبتت } يعني الارض { من كل زوج بهيج } فالبهيج الحسن الصورة، الذي يمتع فى الرؤية. وقال الزجاج: (ربت) و (ربأت) لغتان. وقال الفراء: ان ذهب ابو جعفر فى قراءته (ربأت) الى انه من الربئة التي تجر بين الناس، فهو مذهب. وإلا فهو غلط، ويلغط العرب كقولهم: حلأت السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت. وقد قرأ الحسن البصري فى يونس { ولا أدرأكم به } وهو مما يرخص فى القراءة.