خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٥١
وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ
٥٢
فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
٥٣
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ
٥٤
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ
٥٥
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ
٥٦
-المؤمنون

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة وابن عامر { وإن } بكسر الهمزة، وخفف ابن عامر النون وسكنها. وقرأ الباقون بفتح الهمزة مشددة النون.
قال قوم: هذا خطاب لعيسى (ع) حكاه الله تعالى، قالوا: وذلك لما جرى ذكره كأنه قال: يا عيسى { كلوا من الطيبات } وقال: آخرون: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) خاصة خاطبه بلفظ الجمع، كما يقال للرجل الواحد: أيها القوم كفوا عنا. وقال قوم: لما ذكر بعض الانبياء، كأنه قال: وقلنا لهم { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } والأكل تناول الطعام بالفم، ومضغه وابتلاعه. وصورة "كلوا" صورة الأمر، والمراد به الاباحة. وأصل "كلوا" أؤكلوا، فحذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال. والمعنى مفهوم، لأنه من الاكل. و { الطيبات } الحلال، وقيل: هو المستلذ. فعلى الوجه الأول يكون أمراً بنفل، لأن تقديره كلوا من الحلال على الوجه الذي يستحق به الحمد. وعلى الثاني يكون على الاباحة، كما قال تعالى
{ { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } }. وقوله { واعملوا صالحاً } أمر من الله لهم بأن يعملوا الطاعات، واجباتها ونوافلها. والصلاح الاستقامة، على ما تدعو اليه الحكمة. وقال قوم: انما هذا حكاية لما قيل لجميع الرسل. وهو الوجه. وقال آخرون: المعنى وقلنا لعيسى { يا أيها الرسل } على الجمع على ما ذكرناه من المثال.
وقوله { وإن هذه أمتكم } موضع { إن } نصب، لان تقديره، ولان { هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } أي لهذه فاتقون. وقيل: موضعه الجر بالعطف على { بما تعملون عليم }. ومن كسر الهمزة استأنف الكلام. ومعنى الأمة - ها هنا - الملة سماها بذلك للاجماع عليها بأمر الله. وقال الحسن وابن جريج: معنى { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد. وقيل: جماعتكم جماعة واحدة فى الشريعة التي نصبها الله لكم. ونصب { أمة واحدة } على الحال. وقال الجبائي: معناه { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } في أنهم عبيد الله، وخلقه وتدبيره.
وقوله { فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً } فالزبر الكتب - في قول الحسن وقتادة ومجاهد وابن زيد - وهو جمع زبور، كرسول ورسل. والمعنى تفرقوا كتباً دانوا بها، وكفروا بما سواها، كاليهود دانوا بالتوراة وكفروا بالانجيل، والقرآن. وكالنصارى دانوا بالانجيل وكفروا بالقرآن. ومن قرأ { زبراً } بفتح الباء، وهو ابن عامر فمعناها جماعات، لانه جمع زبرة، وزبر، كبرمة وبرم.
وقوله { كل حزب بما لديهم فرحون } أي كل طائفة بما عندها تفرح لاعتقادها بأن الحق معها. فقال الله تعالى لنبيه { فذرهم } يا محمد { في غمرتهم } أي جهلهم وضلالتهم. وقيل: في حيرتهم. وقيل: فى غفلتهم. والمعاني متقاربة { حتى حين } أي حين وقت الموت. وقيل: حين العذاب.
ثم قال تعالى منكراً عليهم { أيحسبون } أي يظنون هؤلاء الكفار { أنما نمدهم به من مال وبنين } تمام الكلام أحد شيئين:
احدهما - أيحسبون ان الذي نمدهم به من اجل مالهم وبنيهم، بل إنما نفعل ذلك لما فيه من المصلحة.
والثاني - أن يكون فيه حذف، وتقديره أيحسبون أن الذي نمدهم به من المال والبنين حق لهم أو لكرامتهم عندنا، لا، بل نفعل ذلك لما فيه من المصلحة التي ذكرناها، ويكون قوله { نسارع لهم في الخيرات } ابتداء كلام، ولا يجوز أن يكون الانكار وقع لظنهم ان ذلك مسارعة لهم فى الخيرات، لأنه تعالى قد سارع لهم في الخيرات، بما فعل بهم من الأموال والبنين، لما لهم فى ذلك من اللطف والمصلحة. والغرض في ذلك ان يعرفوا الله ويؤدوا حقوقه { بل لا يشعرون } أي وهم لا يشعرون بذلك، ولا يفهمونه لتفريطهم في ذلك.
والمسارعة تقديم العمل فى اوقاته التي تدعوا الحكمة الى وقوعه فيه، وهي سرعة العمل. ومثله المبادرة. وانما بني على (مفاعلة) لان الفعل كأنه يسابق فعلا آخر. والخيرات المنافع التي يعظم شأنها، ونقيضها الشرور. وهي المضار التي يشتد أمرها. والشعور العلم الذي يدق معلومه، وفهمه على صاحبه دقة الشعر. وقيل: هو العلم من جهة المشاعر، وهي الحواس، ولهذا لا يوصف الله تعالى به. وقيل: نسارع لهم فى الخيرات أي نقدم لهم ثواب اعمالهم لرضانا عنهم، ومحبتنا إياهم، كلا، ليس الأمر كذلك، بل نفعله ابتلاء في التعبد لهم.