خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
٩١
عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٩٢
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ
٩٣
رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٩٤
وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ
٩٥
-المؤمنون

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { عالم الغيب } بالجر ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر وحفص عن عاصم. الباقون بالرفع. من جر رده على قوله { سبحان الله.... عالم الغيب } فجعله صفة لله. ومن رفعه، فعلى تقدير هو { عالم الغيب }.
يقول الله تعالى مخبراً أنه لم يتخذ ولداً اي لم يجعل ولد غيره ولد نفسه، لاستحالة ذلك عليه، لانه محال أن يكون له ولد، فلا يجوز التشبيه بما هو مستحيل ممتنع إلا على النفي والتبعيد. واتخاذ الولد: أن يجعل الجاعل ولد غيره يقوم مقام ولده لو كان له. وكذلك التبني إنما هو جعل الجاعل ابن غيره يقوم مقام ابنه الذي يصح أن يكون ولداً له. ولذلك لا يقال: تبنى شاب شيخاً، ولا تبنى الانسان بهيمة، لما استحال ان يكون ذلك ولداً له، ولا يجوز أن يقال: اتخذه ولداً، اذا اختصه بضرب من المحبة، لأن فى ذلك إخراج الشيء عن حقيقته كما أن تسمية ما ليس بطويل عريض عميق جسماً إخراج له عن حقيقته.
ثم اخبر انه كما لم يتخذ ولداً، لو يكن معه إله. وهذا جواب لمحذوف، وتقديره: لو كان معه إله آخر { إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض } وفيه إلزام لمن يعبد الاصنام. وقوله
{ { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } دليل عام في نفي مساو للقديم فيما يقدر عليه من جميع الاجناس والمعاني. ومعنى { إذاً لذهب كل إله بما خلق } أي لانفرد به ولحوله من خلق غيره، لانه لا يرضى أن يضاف خلقه وانعامه الى غيره.
فان قيل: لم لا يكون كل واحد منهم حكيماً، فلا يستعلي على حكيم غيره؟
قلنا: لانه إذا كان جسماً وكل جسم محتاج، جاز منه أن يستعلي لحاجته، بل لا بد من أن يقع ذلك منه، لانه ليس له مدبر يلطف له حتى يمتنع من القبيح الذي يحتاج اليه، كما يلطف الله لملائكته وانبيائه بما في معلومه انهم يصلحون به.
ثم نزه نفسه تعالى عن اتخاذ الولد وأن يكون معه إله غيره، فقال { سبحان الله عما يصفون } من الاشراك معه، واتخاذ الولد له.
وقوله { عالم الغيب والشهادة } فلذلك يأتي بالحق، وهم يأتون بالجهل. ويحتمل ان يكون معناه إن عالم الغيب والشهادة لا يكون له شريك، لانه أعلى من كل شيء فى صفته. قال الحسن: هو ردّ لقول المشركين: الملائكة بنات الله. وقال الجبائي: فى الآية دلالة على انه يجوز ان يدعو الانسان بما يعلم انه يكون لا محالة وأن الله لا بد أن يفعله.
ثم قال تعالى { فتعالى عما يشركون } أي تعاظم الله عن ان يشرك هؤلاء الكفار معه من الاصنام والاوثان. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { قل رب إما تريني ما يوعدون } ومعناه إن أريتني ما وعد هؤلاء الكفار به من العذاب والاهلاك. فقل يا { رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } أي لا تجعلني فى جملة من يشملهم العذاب بظلمهم، وتقديره: إن انزلت بهم النقمة، فاجعلني خارجاً منهم. فقال الله تعالى { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون } معناه إن ما وعدتهم به من العذاب والاهلاك على كفرهم قادر عليه، لكني لا أفعله وأؤخره الى يوم القيامة لما في تأخيره من المصلحة.