خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
٩٦
وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ
٩٧
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ
٩٨
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
-المؤمنون

التبيان الجامع لعلوم القرآن

امر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يدفع السيئة من إساءة الكفار اليه بالتي هي أحسن منها. ومعنى ذلك انهم إذا ذكروا المنكر من القول - الشرك - ذكرت الحجة فى مقابلته وذكرت الموعظة التي تصرف عنه الى ضده من الحق، على وجه التلطف في الدعاء اليه، والحث عليه، كقول القائل: هذا لا يجوز، وهذا خطأ، وعدول عن الحسن. وأحسن منه أن يوصل بذكر الحجة والموعظة كما بينا. وقال الحسن: { بالتي هي أحسن } الاغضاء والصفح. وقيل: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمراد به الأمة، والمعنى إدفع الأفعال السيئة بالافعال الحسنة التي ذكرها.
وقوله { نحن أعلم بما يصفون } معناه نحن اعلم منهم بما يستحقون به من الجزاء في الوقت الذي يصلح الأخذ بالعقوبة إذا انقضى الأجل المضروب بالامهال. ثم قال له { قل } يا محمد، وادع فقل يا { رب أعوذ بك من همزات الشياطين } أي نزغاتهم ووساوسهم، فمعنى { أعوذ } اعتصم بالله من شر الشياطين، فى كل ما يخاف من شره. والمعاذة هي التي يستدفع بها الشر، والهمزات دفعهم بالاغواء الى المعاصي، والهمز شدة الدفع. ومنه الهمزة: الحرف الذي يخرج من أقصى الحلق باعتماد شديد. والعياذ طلب الاعتصام من الشر { وأعوذ بك رب أن يحضرون } هؤلاء الشياطين فيوسوسون لي ويغووني عن الحق.
وقوله { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون } اخبار من الله تعالى عن أحوال هؤلاء الكفار، وانه إذا حضر أحدهم الموت، واشرف عليه سأل الله عند ذلك و { قال رب ارجعون } أي ردني الى دار التكليف { لعلي أعمل صالحاً } من الطاعات وأتلافى ما تركته، وانما قال { رب ارجعون } على لفظ الجمع لأحد امرين:
احدهما - انهم استعانوا أولا بالله، ثم رجعوا الى مسألة الملائكة بالرجوع الى الله - في رواية ابن جريج.
والثاني - انه جرى على تعظيم الذكر في خطاب الواحد بلفظ الجمع لعظم القدر كما يقول ذلك المتكلم، قال الله تعالى
{ { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال { { ولقد خلقنا الإنسان } وما جرى مجراه. وروى النضر بن سمأل قال: سئل الخليل عن قوله { رب ارجعون } ففكر ثم قال: سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه، والله أعلم، لانه جمع، فاستحسن الناس منه ذلك.
فقال الله تعالى فى الجواب عن سؤالهم { كلا } وهي كلمة ردع وزجر أي حقاً { إنها كلمة } فالكناية عن الكلمة والتقدير: ان الكلمة التي قالوها { كلمة هو قائلها } بلسانه. وليس لها حقيقة، كما قال
{ { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } } وقوله { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } فالبرزخ الحاجز - وها هنا - هو الحاجز بين الموت والبعث - في قول ابن زيد - وقال مجاهد: هو الحاجز بين الموت والرجوع الى الدنيا. وقال الضحاك: هو الحاجز بين الدنيا والاخرة: وقيل البرزخ الامهال. وقيل: كل فصل بين شيئين برزخ.
وفى الآية دلالة على أن احداً لا يموت حتى يعرف اضطراراً منزلته عند الله وانه من أهل الثواب أو العقاب - فى قول الجبائي وغيره - وفيها دلالة أيضاً على انهم فى حال التكليف يقدرون على الطاعة بخلاف ما تقول المجبرة.
ومعنى { ومن ورائهم } أي أمامهم وقدامهم، قال الشاعر:

ايرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا

ومعنى { يبعثون } يوم يحشرون للحساب والمجازاة، وأضيف الى الفعل لان ظرف الزمان يضاف الى الافعال.