خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢١
وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٢٣
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ
٢٥
-النور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر المدني "ولا يتأل" على وزن (يتفعل) الهمزة مفتوحة بعد التاء، واللام مشددة مفتوحة. الباقون "يأتل" على وزن (يفتعل). الهمزة ساكنة. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً "يوم يشهد" بالياء، لان تأنيث الألسنة ليس بحقيقي، ولانه حصل فصل بين الفعل والفاعل. الباقون بالتاء، لان الألسنة مؤنثة.
هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين المعترفين بتوحيد الله المصدقين لرسله، ينهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان، وخطوات الشيطان تخطية الحلال الى الحرام. والمعنى لا تسلكوا مسالك الشيطان، ولا تذهبوا مذهبه، والاتباع الذهاب فيما كان من الجهات التي يدعو الداعي اليها بذهابه فيها، فمن وافق الشيطان فيما يدعو اليه من الضلال، فقد اتبعه. والاتباع اقتفاء أثر الداعي الى الجهة بذهابه فيها، وهو بالتثقيل والتخفيف بمعنى الاقتداء به. والمعنى لا تتبعوا الشيطان بموافقته فيما يدعو اليه. ثم قال { ومن يتبع خطوات الشيطان } فيما يدعوه اليه { فإنه } يعني الشيطان { يأمر بالفحشاء } يعني القبائح { والمنكر } من الأفعال. والفحشاء كل قبيح عظيم. والمنكر الفساد الذي ينكره العقل ويزجر عنه.
ثم قال تعالى { ولو لا فضل الله عليكم ورحمته } بان يلطف لكم، ويزجركم عن ارتكاب المعاصي { ما زكى منكم من أحد أبداً } فـ (من) زائدة، والمعنى ما فعل احد منكم الافعال الجميلة إلا بلطف من جهته أو وعيد من قبله. وقال ابن زيد: معناه لولا فضل الله ما أسلم احد منكم.
وفى ذلك دلالة على أن احداً لا يصلح في دينه إلا بلطف الله (عز وجل) له، لأن ذلك عام لجميع المكلفين الذين يزكون بهذا الفضل من الله.
وقوله { ولكن الله يزكي من يشاء } معناه من يعلم أن له لطفاً يفعله به ليزكو عنده. وقيل: يزكي من يشاء بالثناء عليه. والأول أجود { والله سميع عليم } معناه إنه يفعل المصالح والالطاف على ما يعلمه من المصلحة للمكلفين. لانه يسمع أصواتهم ويعلم أحوالهم.
وفي الآية دلالة على أنه تعالى يريد لخلقه خلاف ما يريده الشيطان، لأنه ذكره عقيب قوله { يأمر بالفحشاء والمنكر }.
وقوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } فالايتلاء القسم، يقال آلى يؤلي إيلاء إذا حلف على أمر من الأمور، ويأتل (يفتعل) من الالية على وزن (يقتضي) من القضية، ومن قرأ { يتألّ } فعلى وزن (يتفعل)، والمعنى لا يحلف أن لا يؤتي.
وقال ابن عباس وعائشة وابن زيد: إن الآية نزلت فى أبي بكر، ومسطح بن أثاثة، وكان يجري عليه، ويقوم بنفقته، فقطعها وحلف ان لا ينفعه أبداً، لما كان منه من الدخول مع أصحاب الافك فى عائشة، فلما نزلت هذه الآية عاد أبو بكر له الى ما كان، وقال: والله اني لأحب ان يغفر الله لي، والله لا أنزعها عنه ابداً. وكان مسطح ابن خالة أبي بكر، وكان مسكيناً ومهاجراً من مكة الى المدينة، ومن جملة البدريين. وقال الحسن ومجاهد: الآية نزلت فى يتيم كان في حجر أبي بكر، حلف الا ينفق عليه. وروي عن ابن عباس وغيره: أن الآية نزلت في جماعة من اصحاب - رسول الله حلفوا أن لا يواسوا أصحاب الأفك. وقال قوم: هذا نهي عام لجميع أولي الفضل والسعة أن يحلفوا ألا يؤتوا أولي القربى والمساكين والفقراء، وهو أولى واعم فائدة، ويدخل فيه ما قالوه. وكان مسطح احد من حده النبي (صلى الله عليه وسلم) فى قذف الافك.
وقال ابو علي الجبائي: قصة مسطح دالة على انه قد يجوز أن تقع المعاصي ممن شهد بدراً بخلاف قول النوابت.
وقوله تعالى { وليعفوا وليصفحوا } أمر من الله تعالى للمرادين بالآية بالعفو عمن أساء اليهم، والصفح عنهم. واصل العافي التارك للعقوبة على من اذنب اليه، والصفح عن الشيء ان يجعله بمنزلة ما مر صفحاً. ثم قال لهم { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم عمن اساء اليكم { والله غفور رحيم } اي ساتر عليكم منعم.
ثم اخبر تعالى { إن الذين يرمون المحصنات } ومعناه الذين يقذفون العفائف من النساء { الغافلات } عن الفواحش { لعنوا في الدنيا والآخرة } اي أبعدوا من رحمة الله { في الدنيا } باقامة الحد عليهم ورد شهادتهم { وفي الآخرة } بأليم العقاب، والابعاد من الجنة { ولهم } مع ذلك { عذاب عظيم } عقوبة لهم على قذفهم المحصنات. وهذا وعيد عام لجميع المكلفين، في قول ابن عباس وابن زيد واكثر اهل العلم.
وقال قوم: فى عائشة، لما رأوها نزلت فيها هذه الآية توهموا ان الوعيد خاص فيمن قذفها، وهذا ليس بصحيح، لأن عند اكثر العلماء المحصلين: ان الآية إذا نزلت على سبب لم يجب قصرها عليه، كآية اللعان، وآية القذف، وآية الظهار، وغير ذلك. ومتى حملت على العموم دخل من قذف عائشة في جملتها.
وقوله { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } تقديره: ولهم عذاب عظيم فى هذا اليوم. وهو يوم القيامة. وشهادة الايدي والأرجل باعمال الفجار. قيل فى كيفيتها ثلاثة اقوال:
احدها - ان الله تعالى يبنيها بنية يمكنهم النطق بها والكلام من جهتها.
الثاني - ان يفعل الله تعالى في هذه البنية كلاماً يتضمن الشهادة، فكأنها هي الناطقة.
والثالث - ان يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة، وذلك اذا جحدوا معاصيهم. واما شهادة الالسن فيجوز ان يكونوا يشهدون بألسنتم إذا رأوا ان لا ينفعهم الجحد. واما قوله تعالى { اليوم نختم على أفواههم } فقالوا: إنه يجوز ان يخرج الألسنة ويختم على الأفواه، ويجوز ان يكون الختم على الأفواه إنما هو فى حال شهادة الأيدي والارجل. وقال الجبائي: ويجوز ان يبنيها بنية مخصوصة، ويحدث فيها شهادة تشهد بها.
وقوله { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } يعني جزاءهم الحق، والدين - ها هنا - الجزاء، ويجوز ان يكون المراد جزاء دينهم الحق، وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } اي يعلمون الله ضرورة فى ذلك اليوم، ويقرون انه الحق، الذين ابان الحجج والآيات فى دار التكليف، وهو قول مجاهد، وقرئ { الحق } بالرفع، والنصب، فمن رفعه جعله من صفة الله، ومن نصبه جعله صفة للدين.