خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
٤١
وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
٤٢
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ
٤٣
يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٤٤
-النور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر المدني { يذهب بالأبصار } بضم الياء. الباقون بفتحها. وقد مضى ذكر مثله.
يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { ألم تر } يا محمد والمراد به جميع المكلفين أي ألم تعلم ان الذي ذكره في الآية لايرى بالابصار وانما يعلم بالادلة، { أن الله يسبح له من في السماوات والأرض } فالتسبيح التنزيه لله تعالى عن جميع ما لا يجوز عليه، ولا يليق به، فمن نفى عنه الصاحبة والولد، فقد سبحه، لانه يرأه مما لا يجوز عليه، ومن نفى عنه أن يكون له شريك في ملكه او عبادته، فقد سبحه، لانه برّأه مما لا يجوز عليه، وكذلك من نفى عنه فعل القبيح، فقد سبحه، لانه برأه مما لا يجوز عليه. وتسبيح من في السموات والارض إنما هو بما فيها من الدلالات على توحيده، ونفي الصاحبة عنه، ونفي تشبيهه بخلقه وتنزيهه عما لا يليق به، مما يدل على ذلك ويدعو اليه، كأنه المسبح له.
وقوله { والطير صافات } معناه وتسبحه الطير صافات فى حال اصطفافها في الهواء، لانها إذا صفت اجنحتها في الهواء وتمكنت من ذلك كان في ذلك دلالة وعبرة على أن ممكنها من ذلك لا يشبه شيئاً من المخلوقات.
وقوله { كل قد علم صلاته وتسبيحه } معناه: إن جميع ذلك قد علم الله تعالى صلاته، يعني دعاءه الى توحيده، وتسبيحه، وتنزيهه عما لا يليق به. وقال مجاهد: الصلاة للانسان، والتسبيح لكل شيء. وقيل: كل قد علم صلاته أي صلاة نفسه، وتسبيح نفسه، فيكون الضمير فى علم لـ (كل)، وعلى الأول يعود على اسم الله، والأول أجود، لان هذه الاشياء كلها لا يعلم كيفية دلالتها غير الله. وانما الله تعالى عالم بذلك، ويقويه قوله { والله عليم بما يفعلون } أي عالم بأفعالهم، لا يخفى عليه شيء منها، فيجازيهم بحسبها.
ثم اخبر تعالى فقال { ولله ملك السماوات والأرض }، والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير، فملك السموات والارض لا يصح إلا لله وحده لا شريك له، لانه لا يقدر على خلق الاجسام غيره، وليس مما يصح أن يملكه العبد، لانه لا يمكنه أن يصرفه أتم التصريف، فالملك التام، لا يصح الا لله تعالى.
وقوله { وإلى الله المصير } اي اليه المرجع يوم القيامة، الى ثوابه او عقابه.
ثم قال { ألم تر } اي الم تعلم { أن الله يزجي سحاباً } اى يسوق سحاباً الى حيث يريده، ومنه زجا الخراج إذا انساق الى أهله وازجاه فلان أي ساقه { ثم يؤلف بينه } أي بين بعضه وبعض، لان لفظ سحاب جمع، واحده سحابة، وهو كقولهم: جلس بين النخل، لان لفظ بين لا تستعمل إلا فى شيئين فصاعداً.
وقوله { ثم يجعله ركاماً } وهو المتراكب بعضه فوق بعض { فترى الودق } يعني المطر، يقال: ودقت السحابة، تدق ودقاً إذا أمطرت قال الشاعر:

فلا مزنة ودقت ودقها ولا ارض ابقل إبقالها

{ يخرج من خلاله } فالخلال جمع خلل. وقوله { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } معنى { من } الاولى، لابتداء الغاية، لان { من السماء } ابتداء الانزال بالمطر، والثانية للتبعيض، لأن البرد بعض الجبال التي فى السماء، والثالثة لتبيين الجنس، لان جنس الجبال جنس البرد. وقيل فى السماء جبال برد مخلوقة في السماء. وقال البلخي: يجوز أن يكون البرد يجتمع في السحاب كالجبال ثم ينزل منها. وقيل السماء هو السحاب، لان كل ما علا مطبقاً فهو سماء. وقال الفراء: يجوز أن يكون المراد وينزل من السماء قدر جبال من برد، كما تقول: عندي بيتان من تبن أي قدر بيتين. وقال الحسن: فى السماء جبال برد، وقيل المعنى: قدر جبال يجعل منها برداً على ما حكيناه عن الفراء.
وقوله { فيصيب به } يعني بذلك البرد { فيصيب به من يشاء } ان يهلك أو يهللك ماله { ويصرفه عمن يشاء } على حسب اقتضاء المصلحة.
وقوله { يكاد سنا برقه } أي ضياء البرق، فسنا البرق مقصور، وسناء المجد ممدود. وقال ابن عباس وابن زيد: يعني ضوء برقه يكاد يختطف الابصار. وقال قتادة: لمعان برقه.
وقوله { يقلب الله الليل والنهار } يعني يجيء بالنهار عقيب الليل، وباليل عقيب النهار. وقيل: يزيد من هذا في ذاك وينقص من ذاك في هذا { إن في ذلك لعبرة } اي دلالة { لأولي الأبصار } يعني ذوي العقول الذين يبصرون بقلوبهم.
وفي الآية دلالة على وجوب النظر، وفساد التقليد، لانه تعالى مدح المعتبرين بعقولهم بما نبه من الدلالات والآيات الدالة على توحيده وعدله وغير ذلك.