خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤٦
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٧
وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ
٤٨
وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ
٤٩
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٥٠
-النور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اقسم الله تعالى في هذه الآية انه انزل { آيات مبينات } أي دلالات واضحات تظهر بها المعاني، وتتميز، مما خالفها حتى تعلم مفصلة. ومن كسر الياء، جعلها من المبينة المظهرة مجازاً، من حيث يتبين بها، فكأنها المبينة.
وقوله { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } معناه والله يلطف لمن يشاء بما يعلم انه يهتدي عنده { إلى صراط مستقيم } واضح: من توحيده وعدله وصدق أنبيائه. والهداية الدلالة التي يهتدي بها صاحبها الى الرشد، وقد تطلق على ما يصح أن يهتدى بها، كما قال تعالى
{ { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } لأن المراد فى الآية اللطف على ما قلناه. وقال الجبائي: قوله { يهدي من يشاء } يعني المكلفين دون من ليس بمكلف، ويجوز أن يكون المراد هدايتهم فى الآخرة الى طريق الجنة، والصراط المستقيم الايمان لأنه يؤدي الى الجنة.
وقوله { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } قيل انها نزلت فى صفة المنافقين، لانهم يقولون بألسنتهم: آمنا بالله وصدقنا رسوله، فاذا انصرفوا إلى أصحابهم قالوا خلاف ذلك، فأخبر الله تعالى أن هؤلاء ليسوا بمؤمنين على الحقيقة. ثم اخبر عن حال هؤلاء فقال: { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } فى شيء يختلفون فيه { إذا فريق منهم } يعني المنافقين { معرضون } عن ذلك. ولا يختارونه، لانه يكون الحق عليهم. ثم قال { وإن يكن لهم الحق } وتتوجه لهم الحكومة { يأتوا اليه } يعني الى النبي (صلى الله عليه وسلم) منقادين { مذعنين } والاذعان هو الانقياد من غير اكراه، فهؤلاء المنافقون إذا دعوا الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه، امتنعوا ظلماً، لانفسهم، وكفروا بنبيهم، ففضحهم الله بما أظهر من جهلهم ونفاقهم.
و قيل انها نزلت فى رجل من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود حكومة، فدعاه اليهودي الى رسول الله، ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف. وقيل انها نزلت في علي (ع) ورجل من بني أمية دعاه علي الى رسول الله، ودعاه الاموي الى اليهود، وكان بينهما منازعة في ماء وأرض. وحكى البلخي انه كانت بين علي (ع) وعثمان منازعة في أرض اشتراها من علي، فخرجت فيها أحجار، واراد ردها بالعيب، فلم يأخذها، فقال بيني وبينك رسول الله، فقال الحكم ابن أبي العاص ان حاكمته الى ابن عمه حكم له، فلا تحاكمه اليه، فانزل الله الآية.
ثم قال تعالى منكراً عليهم { أفي قلوبهم مرض } أي شك فى قلوبهم، وسمي الشك مرضاً، لانه آفة تصد القلب عن ادراك الحق، كالآفة في البصر تصد عن ادراك الشخص، وانما جاء على لفظ الاستفهام، والمراد به الانكار، لانه أشد فى الذم والتوبيخ أى ان هذا كفر، قد ظهر حتى لا يحتاج فيه الى البينة، كما جاز فى نقيضه على طريق الاستفهام، لأنه أشد مبالغة في المدح، كما قال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا واندى العالمين بطون راح

فقال الله تعالى { أفي قلوبهم مرض } أى شك فى النبي { أم ارتابوا } بقوله وبحكمه { أم يخافون أن يحيف الله ورسوله عليهم } أى يجور عليهم، والحيف الجور بنقض الحق، ويحيف عليهم: يظلمهم، لانه لا وجه للامتناع عن المجيء إلا أحد هذه الثلاثة.
ثم اخبر تعالى فقال: ليس لشيء من ذلك، بل لانهم الظالمون نفوسهم وغيرهم، والمانعون لهم حقوقهم، وإنما افرد قوله { ليحكم بينهم } بعد قوله { إلى الله ورسوله }، لانه حكم واحد يوقعه النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمر الله.