خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣١
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
٣٢
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ
٣٣
قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
٣٤
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
٣٥
قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
٣٦
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
٣٧
فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٣٨
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ
٣٩
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ
٤٠
-الشعراء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما قال موسى لفرعون { أو لو جئتك بشيء مبين قال } فرعون { فأت به إن كنت من الصادقين } أي هات ما أدعيته من المعجزة إن كنت صادقاً { فألقى عصاه } حينئذ موسى { فإذا هي ثعبان مبين } وهي الحية العظيمة، ومنه المثعب وهو المجرى الواسع، وانثعب الماء انثعاباً إذا جرى باتساع، ومنه الثعبان لأنه يجري باتساع لعظمه. وفى قلب العصا حية دلالتان:
إحداهما - دلالة على الله تعالى، لانه مما لا يقدر عليه إلا هو، وليس مما يلتبس بايجاب الطبائع، لأنه اختراع، للانقلاب في الحال.
والثاني - دلالة على النبوة بموافقته الدعوة مع رجوعها إلى حالتها الاولى لما قبض عليها. وقيل: الثعبان الحية الذكر، ووصفه تعالى العصا - ها هنا - بأنها صارت مثل الثعبان، لا ينافي قوله { كأنها جان } من وجوه:
احدها - انه تعالى لم يقل، فاذا هي جان، كما وصفها بأنها ثعبان، وانما شبهها بالجان، ولا يجوز أن تكون مثله على كل حال.
والثاني - انه وصفها بالثعبان في عظمها، وبالجان في سرعة حركتها، فكأنها مع كبرها في صفة الجان لسرعة الحركة، وذلك أبلغ في الاعجاز.
وثالثها - انه أراد أنها صارت مثل الجان في أول حالها، ثم تدرجت إلى ان صارت مثل الثعبان، وذلك ايضاً أبلغ في باب الاعجاز.
ورابعها - ان الحالين مختلفان، لأن احداهما كانت حين ألقى موسى فصارت العصا كالثعبان، والحالة الأخرى حين أوحى الله اليه وناداه من الشجرة.
ومعنى { مبين } قال ابن عباس: انه ثعبان لا شبهة فيه. وقيل: معناه مبين وجه الحجة به. وروي أنها غرزت ذنبها في الارض ورفعت رأسها نحو الميل إلى السماء، ثم انحطت فجعلت رأس فرعون بين نابيها، وجعلت تقول: مرني بما شئت، فناداه فرعون أسألك بالذي أرسلك لما اخذتها، فاخذها، فعادت عصاً، كما كانت - ذكره ابن عباس، والمنهال -.
وقوله { ونزع يده } أي أخرجها من جيبه أو من كمه على ما روي. ويجوز أن يكون المراد حسر عن ذراعه. والمعنى أنه نزعها عن اللباس التي كان عليها. والنزع إخراج الشيء مما كان متصلا به، وملابساً له.
وقوله { فاذا هي بيضاء } يعني بياضاً نورياً كالشمس في إشراقها { للناظرين } اليها من غير برص، فقال فرعون عند ذلك لأشراف قومه الذين حوله { إن هذا } يعنى موسى { لساحر عليم } أي عالم بالسحر والحيل { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } قيل معناه يريد أن يخرج عبيدكم بني اسرائيل قهراً. ويحتمل أن يكون أراد يخرجكم من دياركم ويتغلب عليكم { فماذا تأمرون } في تأديبه، وانما شاور قومه في ذلك مع أنه كان يقول لهم: انه إله، لأنه يجوز أن يكون ذهب عليه وعلى قومه أن الاله لا يجوز أن يشاور غيره، كما ذهب عليهم أن الاله لا يكون جسماً محتاجاً، فاعتقدوا إلهيته لما دعاهم اليها مع ظهور حاجته التي لا اشكال فيها، فقال لفرعون اشراف قومه الذين استشارهم { أرجه وأخاه } أي أخرّهما، فالارجاء التأخير، تقول: ارجأت الأمر ارجئه إرجاء، وهم المرجئة، لأنهم قالوا بتأخير حكم الفساق في لزوم العقاب. وقيل: انما أشاروا بتأخيره ولم يشيروا بقتله، لانهم رأوا أن الناس يفتتنون به ان قتل، وإن السحرة اذا قاومته زال ذلك الافتتان، وكان له حينئذ عذر في قتله أو حبسه بحسب ما يراه.
وقوله { وابعث في المدائن حاشرين } أي ارسل حاشرين يحشرون الناس من جميع البلدان. فالحشر السوق من جهات مختلفة إلى مكان واحد، حشره يحشره حشراً، فهو حاشر والشيء محشور، وانحشر الناس إلى مكان إذا اجتمعوا اليه. والسحر لطف الحيلة حتى يتوهم المموه عليه أنه حقيقة. وقوله { يأتوك } أي يجيئوك { بكل سحار } مبالغة فيمن يعمل بالسحر { عليم } أي عالم بالسحر، وفي الكلام حذف، لان تقديره إنه انفذ الحاشرين في المدائن وانهم حشروهم { فجمع السحرة } على ما قالوه { لميقات يوم معلوم } لوقت يوم بعينه اختاروه وعينوه { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة } ان غلبوا موسى، فالغلبة الاستعلاء بالقوة: غلبة يغلبه غلبة إذا قهره، وتغلب تغليباً وغالبه مغالبة وتغالباً تغالباً. وقد يوصف المستعلي على غيره بالحجة بأنه غلبه.