خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ
٦٦
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ
٦٧
لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٦٨
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٦٩
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
٧٠
-النمل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير، وأهل البصرة بل { أدراك } بقطع الهمزة، يقال: تدارك زيد أمره وأدارك بمعنى واحد، ومثله { إنا لمدركون } وقد شدد الاعرج وروى السموني - بكسر اللام - ووصل الهمزة وتشديد الدال من غير ألف. الباقون { بل ادارك } بمعنى تتابع علمهم وتلاحق حتى كمل. والمعنى بل ادارك في الآخرة أي حين لم ينفعهم اليقين مع شكهم في الدنيا - على ما ذكره ابن عباس - وقيل: انه قرأ { بلى ادارك } وادارك العلم لحاق الحال التي يظهر فيها معلومه، ففي الآخرة يظهر الحق بما يرى من الأمور التي من شأنها أن يقع عندها علم بمقتضى ما يحدث من عظم الأمور وقيل: معنى { بل } ها هنا (هل) فكأنه قال: هل ادارك علمهم، ومعناه انهم لا يعلمون الآخرة { بل هم في شك منها } ومن شدد الدال قال أصله تدارك فأدغموا التاء في الدال وقلبوا ألف الوصل. وقرأ اهل المدينة { إذا } على الخبر. الباقون بهمزتين على الاستفهام، ويحقق الهمزتين ابن عامر وأهل الكوفة وروح، إلا أن هشاماً يفصل بينهما بالف، وابن كثير وابو عمرو ورويس يخففون الأولى ويلينون الثانية. ويفصل بينهما بالف أبو عمرو، واما { أئنا } فقراءته على الخبر، وزاد فيه نوناً ابن عامر والكسائي. الباقون بهمزتين وخففهما عاصم وحمزة وخلف وروح. الباقون يخففون الأولى ويلينون الثانية، ويفصل بينهما بالف أهل المدينة إلا ورشاً، وابو عمرو. وقد مضى تعليل هذه القراءات فيما مضى.
لما اخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لا يشعرون متى يحشرون يوم القيامة وانهم ساخرون في ذلك، أخبر انهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة حين يبعثهم الله، وانه لا ينفعهم علمهم في ذلك الوقت مع شكهم في دار الدنيا. وأخبر انهم في شك من البعث في دار الدنيا، وأنهم عمون عن معرفة حقيقته. وهو جمع (عمى) وشبه جهلهم بذلك بالعمى، لان كل واحد منها يمنع بوجوده من ادراك الشيء على ما هو به، لأن الجهل مضاد العلم، والعمى مناف للرؤية.
ثم حكى عن الكفار انهم قالوا متعجبين من البعث والنشور { أئذا كنا تراباً } ويكون { آباؤنا } تراباً ايضاً { ائنا لمخرجون } من قبورنا ومبعوثون، يقولون ذلك مستهزئين منكرين. ثم اخبر انهم يحلفون ويقولون { لقد وعدنا هذا } البعث { نحن } فيما مضى وكذلك وعد به { آباؤنا } ولم نعرف حقيقة ذلك، ثم حكى انهم يقولون ليس { هذا إلا أساطير الأولين } وانما اشتبه عليهم النشأة الثانية لطول المدة في النشأة الاولى على مجرى العادة، ولو نظروا في أن من اجرى هذه العادة حكيم، وانه قادر على نقض العادة، كما قدر على اجرائها لزالت شبهتهم.
ثم امر نبيه (صلى الله عليه وسلم) ان يقول لهم { سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين } لأنهم يرون آثار آبائهم وكيف أهلكهم الله وخرب ديارهم كعاد وثمود وغيرهم، فيعلمون عند ذلك صحة ما قلناه، ولا يأمنوا أن يحل بهم مثل ما حل بهم.
ثم نهى نبيه (صلى الله عليه وسلم) ان يحزن عليهم ويتأسف على تركهم الايمان وأن لا يكون في ضيق نفسه { مما يمكرون }، فان وبال مكرهم عائد عليهم.