خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٢٩
فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٣٠
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ عاصم { جذوة } بفتح الجيم، وقرأ حمزة وخلف بضمها. الباقون - بكسر الجيم - وفيه ثلاث لغات - فتح الجيم وضمها وكسرها. والكسر أكثر وافصح. والجذوة القطعة الغليظة من الحطب فيها النار، وهي مثل الحزمة من أصل الشجر، وجمعها جذى قال الشاعر:

كانت حواطب ليلى يلتمس لها جزل الجذى غير خوار ولا ذعر

وقال قتادة: الجذوة الشعلة من النار. حكى الله تعالى أن احدى المرأتين قالت لابيها { يا أبت استأجره } والاستئجار طلب الاجارة، وهي العقد على أمر بالمعاوضة، يقال: أجره أجراً، وآجره إجارة وايجاراً، واستأجره استئجاراً ومنه الاجير، والماجور. والأجر الثواب، وهو الجزاء على الخير. ثم حكى أنها قالت لأبيها { إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال قتادة: عرفت قوته بأنه سقى الماشية بدلو واحد، وعرفت أمانته بغض طرفه، وامره إياها بأن تمشي خلفه. والقوي القادر العظيم المقدور، ومنه وصف الله تعالى بأنه القوي العزيز، وأصل القوة شدة الفتل من قوي الحبل، وهي طافاته التي يفتل عليها، ثم نقل إلى معنى القدرة على الفعل. والأمانة خاصة للتأدية على ما يلزم فيها، وهي ضد الخيانة، والثقة مثل الأمانة.
ثم حكى ما قال أبو المرأتين لموسى (ع)، فانه قال له { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } أي ازوجك احداهما، فالانكاح عقد ولي المرأة على غيره الزوجية، وهو تزويجه اياها، والنكاح تزوج الرجل المرأة، يقال نكحها نكاحاً إذا تزوجها. وقوله { على أن تأجرني ثماني حجج } معناه على أن تجعل أجري على تزويجي إياك ابنتي رعي ماشيتي ثماني سنين، لأنه جعل صداق ابنته هذا الذي عقد عليه، وجعل الزيادة على المدة اليه الخيار فيها، فلذلك قال { فإن أتممت عشراً فمن عندك } أي هبة منك غير واجب عليك.
ثم اخبر انه قال { وما أريد أن أشق عليك } بأن الزمك عشر سنين { ستجدني } فيما بعد { إن شاء الله من } جملة { الصالحين } الذين يفعلون الخيرات، وتعليق الصلاح بمشيئة الله في الآية يحتمل أمرين:
احدهما - ان يريد بها الصلاح في الدنيا من صحة الجسم وتمام القوة، فان الله تعالى يجوز ان يفعل بأنبيائه أمراضاً امتحاناً لهم ولطفاً، فلذلك قال إن شاء الله.
والثاني - ان يكون أراد ان شاء الله تبقيتي، لانه يجوز أن يخترمه الله فلا يفعل الصلاح الديني، فلذلك علقه بمشيئة الله. ويحتمل أن يكون ذلك لاتفاق الكلام، ولا يكون خبراً قاطعاً، فلا يكون بمشيئة الله شرط في فعل الصلاح وقال ابن عباس: ان موسى قضى أتما الأجلين وأوفاهما، وقيل: انه كان جعل لموسى كل سخلة تولد على خلاف شبه امها فأوحى الله (عز وجل) إلى موسى ان الق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقيل: جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بلقاً.
ثم حكى تعالى ان موسى قال له { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } أي لا تعدي علي لاني مخير في ذلك { والله على ما نقول وكيل } أي كاف وحسيب، وقيل: انه من قول الشيخ، ثم حكى تعالى ان موسى لما قضى الأجل تسلم زوجته وسار بها إلى أن { آنس من جانب الطور ناراً } اي ابصر امراً يؤنس بمثله، والطور الجبل قال العجاج:

آنس جربان فضاء فانكدر دانى جناحيه من الطور فمر

فلما رأى ذلك قال لأهله: البثوا مكانكم، فاني ابصرت ناراً، فامضي نحوها { لعلي آتيكم منها بخبر } يعرف منه الطريق، فانه روي انه كان قد ضل عن الطريق { أو جذوة من النار } اى قطعة من الحطب غليظة فيها النار، وقيل الجذوة الشعلة من النار، لكي تصطلوا بها. وقيل: انهما كانا وجدا البرد، فلذلك قال ما قال.
ثم حكى تعالى ان موسى لما اتى النار بان قرب منها { نودي من شاطئ الواد الأيمن } اى من جانبه وهو الشط، ويجمع شواطئ وشطاناً { من البقعة المباركة } يقال: بقعة وبقعة بالضم والفتح، وجمعه بقاع، ووصفها بأنها مباركة لأنه كلم الله فيها موسى { من الشجرة } قيل ان الكلام والنداء سمعه موسى من ناحية الشجرة، لأن الله تعالى فعل الكلام فيها لا أن الله تعالى كان في الشجرة، لانه لا يحويه مكان، ولا يحل في جسم، فتعالى الله عن ذلك { أن يا موسى } أي ناداه بان قال له يا موسى { إني أنا الله رب العالمين } الذي خلقت جميع الخلائق وأخرجتهم من العدم إلى الوجود.