خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ
٣١
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٣٢
وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ
٣٣
إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
٣٤
وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٣٥
-العنكبوت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب { لننجينه } بالتخفيف. الباقون بالتثقيل. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف وابو بكر ويعقوب { منجوك } غير متحرك بالتخفيف. الباقون بالتشديد وقرأ ابن عامر والكسائي عن ابي بكر { منزلون } بالتشديد. الباقون بالتخفيف. من قرأ { لننجينه } بالتشديد وبتحريك النون، فلقوله { ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } ولقوله { { إلا آل لوط نجيناهم بسحر } ومن خفف فلقوله { { فأنجاه الله من النار } يقال: نجا زيد وأنجيته ونجيته، مثل فرح وفرحته وأفرحته. ومن قرأ { منزلون } بالتشديد، فلان أصله نزل، كما قال { نزل به الروح الأمين } }. فاذا عديته ثقلته إما بالهمزة او بالتضعيف والتضعيف يدل على التكرار.
وقوله { إنا منجوك وأهلك } نصب { أهلك } على انه مفعول به عطفاً على موضع الكاف، وقوله
{ { قوا أنفسكم وأهليكم } انما كسر اللام وموضعها النصب، لان العرب تقول: رأيت أهلك يريدون جميع القرابات. ومنهم من يقول: أهليك، ويجمع اهل على أهلين، فاذا أضافه ذهبت النون للاضافة، فالياء علامة الجمع والنصب، وكسرت اللام لمجاورتها الياء. وفي الحديث "ان لله أهلين قيل: من هم يا رسول الله؟ قال اهل القرآن هم اهل الله وخاصته" ومن العرب من يجمع (أهلا) أهلات انشد ابن مجاهد:

فهم اهلات حول قيس بن عاصم إذا ادلجوا بالليل يدعون كوثرا

قال ابن خالويه: الصواب أن يجعل اهلات جمع اهلة. قال: فان قيل: هل يجوز أن تقول أهلون؟ - بفتح الهاء - كما يقولون: أرضون إذ كان الأصل ارضات، قال: إن (أهلا) مدكر تصغيره أهيل، وارضاً مؤنثة تصغيرها أريضة، والتاء سابقة في المؤنث ممتنعة في المذكر، فهذا يفصل ما بينهما، قال وما علمت أحداً تكلم فيه.
اخبر الله تعالى انه لما جاء ابراهيم رسل الله، وهم من الملائكة بالبشرى يبشرونه باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب، والبشرى البيان، وهو الخبر بما يظهر سروره في بشرة الوجه. وقيل: للاخبار بما يظهر سروره او غمه في البشرة: بشرى، ويقوي ذلك قوله
{ فبشرهم بعذاب أليم } غير انه غلب عليه البشارة بما يسر به.
وقوله { قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية } حكاية ما قالت الملائكة لابراهيم فانهم قالوا له: بعثنا الله وارسلنا لاهلاك هذه القرية التي فيها قوم لوط. والاهلاك الاذهاب بالشيء إلى ما لا يقع به احساس، فلما كانوا بالعذاب قد اذهبوا هذا الاذهاب كانوا قد اهلكوا، والقرية البلدة التي يجتمع اليها للايواء من جهات مختلفة، وهي من قريت الماء في الحوض أقريه قرياً. إذا جمعته. ومنه قرى الضيف لانك تجمعه اليك بما تعده له من طعام. و (الظالم) من فعل الظلم وهو صفة ذم.
فقال لهم ابراهيم عند ذلك { إن فيها لوطاً } كيف تهلكونها، فقالوا في جوابه { نحن أعلم بمن فيها } والأعلم الاكثر معلوماً، فاذا كان الشيء معلوماً لعالم من جهات مختلفة ولعالم آخر من بعض تلك الوجوه دون بعض كان ذلك اعلم. ثم قالوا { لننجينه } أي لنخلصنه من العذاب { وأهله } أي ونخلص أيضاً اهله المؤمنين منهم { إلا امرأته كانت من الغابرين } أي من الباقين في العذاب، قال المبرد: و { أهلك } عطف على المعنى، لأن موضع الكاف الخفض، ولا يجوز العطف على المضمر المخفوض على اللفظ، ومثل ذلك قول لبيد:

فان لم تجد من دون عدنان والداً ودون معد فلترعك العواذل

فنصب (ودون) على الموضع. ثم حكى تعالى أن رسل الله لما جاءت { لوطاً سيء بهم } وقيل في معناه قولان:
احدهما - سيء بالملائكة أي ساء مجيؤهم لما طلبوا منه الضيافة لما يعلم من خبث فعل قومه - في قول قتادة -.
الثاني - سيء بقومه ذرعاً أي ضاق بهم ذرعاً، لما علم من عظم البلاء النازل بهم، فلما رأته الملائكة على تلك الصفة { قالوا } له { لا تخف ولا تحزن إنا منجوك } اي مخلصوك ومخلصوا { أهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين } اي من الباقين في العذاب. وانما قال { من الغابرين } على جمع المذكر تغليباً للمذكر على المؤنث إذا اجتمعا. وقيل: كانت من الباقين لأنه طال عمرها، ذكره ابو عبيدة، وقالوا له { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً } اي عذاباً رجزاً { بما كانوا يفسقون } ويخرجون من طاعة الله إلى معصيته.
ثم اخبر تعالى فقال { ولقد تركنا منها } يعني من القرية انه بينه، قال قتادة الآية البينة الحجارة التي أمطرت عليهم. وقال غيره عفو آثارهم مع ظهور هلاكهم { لقوم يعقلون } ذلك ويبصرونه ويتفكرون فيه ويتعظون به، فيزجرهم ذلك عن الكفر بالله واتخاذ شريك معه في العبادة.