خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٠٣
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى، واللغة، والاعراب:
ومعنى قوله: { واعتصموا } امتنعوا بحبل الله واستمسكوا به أي بعهد الله، لأنه سبب النجاة كالحبل الذي يتمسك به للنجاة من بئر أو نحوها. ومنه الحبل الأمان، لأنه سبب النجاة. ومنه قوله:
{ إلا بحبل من الله وحبل من الناس } ومعناه بأمان، قال الاعشى:

وإذا تجوزها حبال قبيلة أخذت من الأخرى إليك حبالها

ومنه الحبل الحمل في البطن وأصله الحبل المفتول قال ذو الرمة:

هل حبل خرقاء بعد اليوم مرموم أم هل لها آخر الايام تكليم

وفي معنى قوله: { بحبل الله } قولان قال أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كتاب الله. وبه قال ابن مسعود, وقتادة والسدي. وقال ابن زيد { حبل الله } دين الله أي دين الاسلام. وقوله: { جميعاً } منصوب على الحال. والمعنى اعتصموا بحبل الله مجتمعين على الاعتصام به. وقوله: { ولا تفرقوا } أصله ولا تتفرقوا، فحذفت احدى التائين، لاجتماع المثلين. والمحذوفة الثانية، لأن الأولى علامة الاستقبال، وهو مجزوم بالنهي وعلامة الجزم سقوط النون. وقال ابن مسعود وقتادة: معناه ولا تفرقوا عن دين الله الذي أمر فيه بلزوم الجماعة والائتلاف على الطاعة. وقال الحسن: معناه ولا تفرقوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقوله: { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء } معناه ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مئة وعشرين سنة إلى أن ألف بين قلوبهم بالاسلام، وزالت تلك الاحقاد، هذا قول ابن اسحاق. وقال الحسن: هو ما كان من مشركي العرب من الطوائل. وقوله: { وكنتم على شفا حفرة من النار } معنى الشفا الحرف، لأن شفا الشيء حرفه، ويثنى شفوان، لأنه من الواو، وجمعه اشفاء. ولا يجوز فيه الامالة. وإنما قال: { فأنقذكم منها } وإن لم يكونوا فيها، لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها من حيث كانوا مستحقين لدخولها. وإنما أنقذهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعائهم إلى الاسلام، ودخولهم فيه، فصاروا بمنزلة الخارج منها.
وأصل الاخ أن الاخ مقصده مقصد أخيه، وكذلك في الصداقة أن تكون إرادة كل واحد منهما موافقة الاخر يقولون: يتوخى فلان شأن فلان أي يقصده في سيره، ويقولون: خذ على هذا الوخي أي على هذا القصد. وقوله: { كذلك يبين الله لكم آياته } الكاف في موضع نصب، والمعنى مثل البيان الذي تلي عليكم { يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } معناه لتهتدوا وتكونوا على رجاء هداية. والهاء في قوله فأنقذكم منها كناية عن الحفرة فترك شفا، وردت الكناية على الحفرة. ومثل ذلك قول العجاج.

طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي

فترك الطول وأخبر عن الليالي. فان قالوا إذا كان الله هو الذي ألف بين قلوبهم وأنقذهم من النار، فقد صح أن أفعال الخلق فعل له وخلق من خلقه؟ قيل: لا يجب ذلك، لأنا نقول أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ألف بين قلوب العرب وأنقذهم من النار، ولا يجب من ذلك أن تكون أفعالهم أفعالا للنبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا مشاركا لهم. ومعنى ألف بين قلوبهم وأنقذهم من النار أنه دعاهم إلى الايمان وبين لهم وهداهم، ورغبهم وحذرهم، فلما كان إسلامهم ونجاتهم بمعونته ودعائه، كان هو المؤلف لقلوبهم، والمنقذ لهم من النار على هذا المعنى، لا أنه صنع أفعالهم، وأحدثها. فان قيل: فقد فعل الله مثل ذلك بالكافرين هلا قلتم أنه ألف بينهم؟ قلنا: لا نقول ذلك وإن كان فعل بهم في الابتداء مثل الذي فعل بالمؤمن، لأنه لم يوجد منهم إيمان، فلا يجوز إطلاق ذلك عليهم، ولما وجد من المؤمن ذلك جاز إضافة ذلك إلى الله تعالى وجرى ذلك مجرى قوله { هدى للمتقين } أنه اضيف إلى المتقين من حيث اهتدوا به. وان كان هداية للكافرين أيضاً. ويجوز أن يقال: ألف الله بين الكفار، فلم يأتلفوا وانقذهم، فلم يستنقذوا، فيقيد ذلك، كما قال: { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } ولا يجوز أن يقال: هدى الله ثمود ويسكت. ومثل ذلك لو أن إنساناً اعطى ولدين له مالا وأمرهما بالتجارة وبين لهما وجوه المكاسب فكسب أحدهما مالا واستغنى، وضيع الآخر، فافتقر جاز أن يقال أن فلاناً أغنى ولده الغني، ولا يجوز أن يقال اغنى ولده الفقير على أنا لا نقول ان الله تعالى فعل بالكافر جميع ما فعل بالمؤمن، لأن الذي سوى بينهما ما يتعلق بازاحة العلة في التكليف من الاقدار والاعلام والدلالة، وما به يتمكن من فعل الايمان، فأما الالطاف التي يفعلها الله بالمؤمن بعد إيمانه التي علمها له بعد الايمان ولم يعلمها للكافر، فلا نقول أنه فعل بالكافر مثلها، ولا يمتنع أن تكون هذه الزيادة من الالطاف مشروطة بحال الايمان، فالاطلاق لا يصح على كل حال.