خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١١٠
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

النظم:
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها اتصال المدح على الفعل الذي تقدم به الأمر، لأنه قد تقدم إيجاب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ثم مدح على قبوله والتمسك به، ويجوز أيضاً ان يكون اتصال التعظيم لله تعالى بمدح المطيعين له في الاشياء التي بينت، لأنهم بلطف الله تعالى أطاعوا.
المعنى:
وقوله: { كنتم خير أمة } إنما لم يقل أنتم لأحد أمور:
أحدها - قال الحسن أن ذلك لما قد كان في الكتب المتقدمة ما يسمع من الخير في هذه الأمة من جهة البشارة. وقال نحن آخرها وأكرمها على الله. وكذلك روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال
"أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" فهو موافق لمعنى أنتم خير أمة إلا أنه ذكر { كنتم } لتقدم البشارة به، ويكون التقدير { كنتم خير أمة } في الكتب الماضية فحققوا ذلك بالافعال الجميلة.
الثاني - أن كان زائدة ودخولها وخروجها بمعنى، إلا أن فيها تأكيد وقوع الأمر لا محالة، لأنه بمنزلة ما قد كان في الحقيقة، كما قال
{ واذكروا إذ أنتم قليل } وفي موضع آخر { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } ونظيره قوله: { وكان الله غفوراً رحيماً } لأن مغفرته المستأنفة كالماضية في تحقيق الوقوع لا محالة.
الثالث - أن (كان) تامة ها هنا ومعناه حدثتم خير أمة ويكون خير أمة نصباً على الحال.
والرابع - { كنتم خير أمة } في اللوح المحفوظ.
والخامس - كنتم مذ أنتم ليدل على أنه كذلك مذ أول أمرهم. واختلف المفسرون في المعني بقوله: { كنتم خير أمة } فقال قوم: هم الذين هاجروا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ذكره ابن عباس، وعمر بن الخطاب، والسدي. وقال عكرمة: نزلت في ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل. وقال الضحاك: هم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خاصة. وقال مجاهد معناه { كنتم خير أمة } إذا فعلتم، ما تضمنته الآية من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. والايمان بالله والعمل بما أوجبه. وقال الربيع: معناه { كنتم خير أمة }، لأنه لم يكن أمة أكثر استجابة في الاسلام، من هذه الأمة. فان قيل: لم قيل للحسن معروف مع أن القبيح أيضاً يعرف أنه قبيح، ولا يجوز أن يطلق عليه اسم معروف؟ قلنا: لأن القبيح بمنزلة ما لا يعرف لخموله وسقوطه. والحسن بمنزلة النبيه الذي يعرف بجلالته وعلو قدره. ويعرف أيضاً بالملابسة الظاهرة والمشاهدة فأما القبيح، فلا يستحق هذه المنزلة. وقوله: { ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم } معناه لو صدقوا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وقوله: { منهم المؤمنون } يعني معترفون بما دلت عليه كتبهم في صفة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، والبشارة به. وقيل: إنها تناولت من آمن منهم كعبد الله بن سلام، وأخيه، وغيرهما. وقوله: { وأكثرههم الفاسقون } يعني من لم يؤمن منهم، وإنما وصفهم بالفسق دون الكفر الذي هو أعظم، لأن الغرض الاشعار بأنهم خرجوا بالفسق عما يوجبه كتابهم من الاقرار بالحق في نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم). وأصل الفسق الخروج. ووجه آخر وهو أنهم في الكفار بمنزلة الفساق في العصاة بخروجهم إلى الحال الفاحشة التي هي أشنع وأفظع من حال من لم يقدم إليه ذكر فيه، وليس في الآية ما يدل على أن الاجماع حجة على ما بيناه في أصول الفقه. وتلخيص الشافي، وجملته أن هذا الخطاب لا يجوز أن يكون المراد به جميع الأمة، لأن أكثرها بخلاف هذه الصفة بل فيها من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف. ومتى كان المراد بها بعض الأمة، فنحن نقول ان في الامة من هذه صفته، وهو من دل الدليل على عصمته، فمن أين لو أنا، فرضنا فقدهم، لكان إجماعهم حجة واستوفينا هناك ما تقتضيه الاسئلة والجوابات، فلا نطول بذكره ها هنا.