خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
١٢٨
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القصة، والمعنى:
روي عن أنس بن مالك وابن عباس، والحسن، وقتادة، والربيع: انه لما كان من المشركين يوم أحد من كسر رباعية النبي (صلى الله عليه وسلم) وشجه حتى جرت الدماء على وجهه، قال كيف يفلح قوم نالوا هذا من نبيهم، وهو مع ذلك حريص على دعائهم إلى ربهم، فنزلت هذه الآية، فأعلمه الله أنه ليس إليه فلاحهم وأنه ليس إليه إلا أن يبلغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين. وكان الذي كسر رباعيته وشجه في وجهه عتبة بن أبي وقاص، فدعا (ع) عليه الا يحول عليه الحول حتى يموت كافراً، فمات كافراً قبل حول الحول. وقيل: انه هم بالدعاء عليهم، فنزلت الآية تسكيناً له، فكف عن ذلك. وقال أبو علي الجبائي: انه استأذن ربه يوم أحد في الدعاء عليهم، فنزلت الآية، فلم يدع عليهم بعذاب الاستئصال وإنما لم يؤذن فيه لما كان في المعلوم من توبة بعضهم، وإنابته، فلم يجز أن يقتطعوا عن التوبة بعذاب الاستئصال. فان قيل كيف قال { ليس لك من الأمر شيء } مع أن له أن يدعوهم إلى الله ويؤدي إليهم ما أمره بتبليغه؟ قيل: لأن معناه ليس لك من الامر شيء في عقابهم أو استصلاحهم حتى تقع إنابتهم، فجاء الكلام على الايجاز، لأن المعنى مفهوم لدلالة الحال عليه وأيضاً فانه لا يعتد بما له في تدبيرهم مع تدبير الله لهم، فكأنه قال ليس لك من الأمر شيء على وجه من الوجوه.
وقوله: { أو يتوب عليهم } قيل في معناه قولان:
أحدهما - أو يلطف لهم بما يقع معه توبتهم، فيتوب عليهم بلطفه لهم.
والآخر - أو يقبل توبتهم إذا تابوا، كما قال تعالى
{ غافر الذنب وقابل التوب } ولا تصح هذه الصفة إلا الله عز وجل، لأنه يملك الجزاء بالثواب، والعقاب. فان قيل: كيف قال { أو يعذبهم } مع ما في المعلوم من أن بعضهم يؤمن؟ قيل: لأنهم يستحقون ذلك باجرامهم بمعنى أنه لو فعل بهم لم يكن ظلماً، وان كان لا يجوز أن يقع لوجه آخر يجري مجرى تبقيتهم لاستصلاح غيرهم. وقيل في نصب { أو يتوب عليهم } وجهان:
أحدهما - أنه بالعطف على { ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم } { أو يتوب عليهم أو يعذبهم } ويكون { ليس لك من الأمر شيء } اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه كما تقول: ضربت زيداً فافهم ذاك وعمراً.
الثاني أن تكون أو بمعنى إلا أن، كأنه قال: ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم أو يعذبهم فيكون أمرك تابعاً لأمر الله برضاك بتدبيره فيه قال امرؤ القيس:

فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

أراد إلا أن نموت أو حتى نموت.