خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٥٢
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى، والقصة:
ذكر ابن عباس، والبراء بن عازب، والحسن، وقتادة، والسدي، والربيع، وابن اسحاق: أن الوعد المذكور كان يوم أحد، لأن المسلمين كانوا يقتلون المشركين قتلا ذريعاً حتى أخل الرماة بمكانهم الذي أمرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بملازمته، فحينئذ حمل خالد بن الوليد من وراء المسلمين، وتراجع المشركون، وقتل من المسلمين سبعون رجلا ثم هزموا، وقد نادى مناد قتل محمد ثم من الله على المسلمين، فرجعوا وقويت نفوسهم، ونزل الخذلان بعدوهم، حتى ولوا عنهم، ومعنى { تحسونهم } تقتلونهم.
اللغة:
والحس هو القتل على وجه الاستئصال قال جرير:

تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في أجم الحصيد

وأصله الاحساس. ومنه قوله: { { هل تحس منهم من أحد } وقوله: { فلما أحس عيسى منهم الكفر } أي وجده من جهة الحاسة، وحسه يحسه: إذا قتله، لأنه أبطل حسه بالقتل، والتحسس طلب الاخبار. وفي التنزيل: { { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه } وذلك لأنه طلب لهما بحاسة السمع.
والمحسة التي ينفض بها التراب عن الدابة، لأنه يحس بها من جهة حكها لجلدها.
وقوله: { باذنه } معناه بعلمه. ويجوز أن يكون المراد بلطفه، لان أصل الاذن الاطلاق في الفعل، فاللطف تيسر له، كما أن الاذن كذلك إلا أن اللطف تدبير يقع معه الفعل لا محالة اختياراً كما يقع في أصل الاذن اختياراً.
المعنى:
قال أبوعلي قوله: { إذ تحسونهم } يعني يوم بدر { حتى إذا فشلتم } يوم أحد { من بعد ما أراكم ما تحبون } يوم بدر. والأولى أن يكون هذا حكاية عن يوم أحد على ما بيناه. وقوله: { حتى إذا فشلتم } معناه جبنتم عن عدوكم وكعتم { وتنازعتم } في الأمر يعني اختلفتم { من بعد ما أراكم ما تحبون } معناه أنهم أعطوا النصر، فخالفوا في ما قيل لهم من لزوم فم الشعب. واختلفوا، فعوقبوا بأن ديل عليهم في قول الحسن. وقوله: { منكم من يريد الدنيا } أي منكم من قصده الغنيمة في حربكم { ومنكم من يريد الآخرة } أي بثبوته في موضعه بقصده بجهاده إلى ما عند الله في قول ابن مسعود، وابن عباس، والربيع.
الاعراب. والمعنى:
فان قيل أين جواب "حتى إذا"؟ قلنا: فيه قولان:
أحدهما - إنه محذوف، وتقديره امتحنتم.
والآخر - على زيادة الواو والتقديم والتأخير، وتقديره حتى إذا تنازعتم في الأمر، فشلتم - في قول الفراء -، كما قال
{ { فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم } ومعناه ناديناه، والواو زائدة. ومثله { { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج... واقترب } ومعناه اقترب. ومثله قوله: { حتى إذا جاؤها وفتحت } وأنشد:

حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم ابناءكم شبوا
قلبتم ظهر المجن لنا ان اللئيم العاجز الخب

والبصريون لايجيزون زيادة الواو ويتأولون جميع ما استشهد به على الحذف لأنه أبلغ في الكلام، وأحسن من جهة الايجاز. وقوله: { ثم صرفكم عنهم } قيل في إضافة انصرافهم إلى الله مع أنه معصية قولان:
أحدهما - إنهم كانوا فريقين منهم من عصى بانصرافه، ومنهم من لم يعص، لأنهم قلوا بعد انهزام تلك الفرقة، فانصرفوا باذن الله بأن التجأوا إلى أحد، لأن الله إنما أوجب ثبات المائة للمئتين فادا نقصوا، لايجب عليهم ذلك. وجاز أن يذكر الفريقين في الجملة بأنه صرفهم، وبأنهم عفا عنهم، ويكون على ما بيناه في التفصيل هذا قول أبي علي. وقال البلخي { ثم صرفكم عنهم } معناه لم يأمركم بمعاودتهم من فورهم { ليبتليكم } بالمظاهرة في الانعام عليكم، والتخفيف عنكم. وقوله { ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. إذ تصعدون } فاذ تصعدون متعلق بقوله: { ولقد عفا } في قول الزجاج. وقال الجبائي قوله: { ولقد عفا عنكم } خاص لمن لم يعص بانصرافه، والأولى أن يكون عاماً في جميعهم، لأنه لا يمتنع أن يكون الله عفا لهم عن هذه المعصية. وقال البلخي: معناه { ولقد عفا عنكم } بتتبعهم بعد أن كان أمرهم بالتتبع لهم، فلما بلغوا حمراء الاسد أعفاهم من ذلك، ولايجوز أن يكون، صرفهم فعل الله، لأنه قبيح والله تعالى لايفعل القبيح.