خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٧
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والمعنى، واللغة:
قرأ أهل الكوفة { كفلها } بالتشديد. الباقون بالتخفيف. والتخفيف أليق بقوله
{ أيهم يكفل مريم } وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر { زكريا } مقصوراً. الباقون بالمد. ونصب { زكرياء } مع المد أبو بكر. الباقون بالرفع.
قوله: { فتقبلها ربها بقبول حسن } معناه رضيها في النذر الذي نذرته بالاخلاص للعبادة في بيت المقدس، ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى. وإنما جاء مصدر تقبلها على القبول دون التقبل، لأن فيه معنى قبلها. وقال أبو عمرو: لا نظير للقبول في المصادر، ففتح فاء الفعل والباب كله مضموم الفاء كالدخول، والخروج، وقال سيبويه: جاءت خمسة مصادر على فعول: قبول، ووضوح، وظهور، وولوغ، ووقود إلا أن الاكثر في وقود الضم إذا أريد المصدر. وأجاز الزجاج في القبول الضم.
وقوله: { وأنبتها نباتاً حسناً } معناه أنشأها إنشاء حسناً في عذابها وحسن تربيتها. والكفل تضمن مؤنة الانسان كفلته أكفله كفلا فأنا كافل: إذا تكلفت مؤنته. ومنه { وكفلها زكريا } ومن قرأ بالتثقيل فمعنا كفلها الله زكريا والكفيل: الضامن. والكفل: مؤخر العجز. والكفل من الرجال الذي يكون في مؤخر الحرب همته الفرار. والكفل النصيب.
ومنه قوله:
{ يؤتكم كفلين من رحمته } وقوله: { ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } وأصل الباب التأخر فمنه الكفالة الضمان. وفي زكريا ثلاث لغات: المد، والقصر. وقد قرىء بهما وزكريَّ بالياء المشددة وأحكامها مختلفة في الجمع. والتثنية، فمن مد قال في التثنية: زكريا وان. وفي الجمع زكريا وون. ومن قصر قال في التثنية زكريان. وفي الجمع زكريون. والذي بالياء زكريان في التثنية، وزكريون في الجمع، وزكرياء بالمد لا يجوز صرفه لأن فيه ألفي التأنيث. ومن قال: لأنه أعجمي معرفة يلزمه إذا نكر أن يصرفه، وهذا لا يجوز. وأما زكري، فان ينصرف لأنه بنأ النسب خرج إلى شبه العربي كما خرج مدائني إلى شبه الواحد على قول المبرد. والمحراب: مقام الامام من المسجد وأصله أكرم موضع في المجلس وأشرفه قال عدي بن زيد العبادي:

كدمى العجاج في المحاريب أو كالـ بيض في الروض زهره مستنير

وقيل هو المكان العالي ذكره الزجاج قال الشاعر:

ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما

وقوله: { وجد عندها رزقاً }، فالرزق هو ما للانسان، الانتفاع به على وجه ليس لأحد منعه.
المعنى:
وقيل إنه كان فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف في قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن اسحق. وقال: تكلمت في المهد، ولم تلقم ثدياً قط، وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة، وهذه تكرمة من الله تعالى لها. وعندنا يجوز فعل ذلك بالأولياء والصالحين، وإن لم يكونوا أنبياء. ومن منع منه قالوا فيه قولين: أحدهما - أن ذلك كان آية لدعوة زكريا لها بالرزق في الجملة. والثاني - قال قوم: هو تأسيس لنبوة المسيح، والأول قول الجبائي. واختار وجهاً آخر أن يكون الله (تعالى) سخر لها بعض عباده أن يأتيها به بلطفه على مجرى العادة، ولايكون معجزاً، وهذا خلاف جميع أقوال المفسرين لأنهم كلهم قالوا لما رأى زكريا ذلك قال: الذي يقدر على أن يأتي مريم بالرزق يقدر أن يخلق الولد من امرأة عاقر، فهنالك سأله أن يرزقه ولداً. ويحتمل ايصال قوله: { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } بما تقدم من وجهين: أحدهما - أن يكون حكاية لقول مريم. والثاني - أن يكون استئنافاً من الله الاخبار به. والأولى أن يكون على الاستئناف، لأنه ليس من معنى الجواب عما سئلت عنه في شيء. وقال الحسن: هو على الحكاية. وقوله: { بغير حساب } معناه بغير حساب الاستحقاق على العمل، لأنه تفضل يبتدىء الله به من يشاء من خلقه. ويحتمل أن يكون المراد بغير تقتير كما يحسب الذي يخاف الاملاق. وقد بينا فيما مضى معنى { أنى } وأن معناه من أين لك. وقال قوم معناه كيف لك. والأول أظهر.