خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٧
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
إن قيل سألت مريم عن خلق الولد من غير مسيس مع أنها لا تنكر ذلك في مقدور الله تعالى؟ قلنا: فيه وجهان: أحدهما - أنها استفهمت أيكون ذلك، وهي على حالتها من غير بشر أم على مجرى العادة من بشر، كما يقول القائل: كيف تبعث بفلان في هذا السفر، وليس معه ما يركبه معناه، لأنه قوي أم هناك مركوب؟ الثاني - ان في البشرة: التعجب مما خرج عن المعتاد فتعجبت من عظم قدرة الله كما يقول القائل عند الآية يراها: ما أعظم الله، وكما يقول القائل لغيره كيف تهب ضيعتك، وهي أجل شيء لك. وليس يشك في هبته وإنما يتعجب من جوده. وقوله: { قال كذلك الله } حكاية ما قال لها الملك. وقوله: { كن فيكون } قيل في معناه قولان:
أحدهما - أنه على جهة المثل لأن منزلة جميع ما يريد احداثه من جسم أو عرض كثر ذلك أو قل، فانما هو بمنزلة قول القائل: كن، في أنه يكون بغير علاج، ولا معاناة، ولا تكلف سبب، ولا أداة، ولا شغل ببعض عن بعض، ولا انتهاء فيه إلى حد لا يمكن ضعفه، ولا زيادة عليه.
الثاني - ان معناه أن الله تعالى جعل { كن } علامة للملائكة فيما يريد إحداثه لما فيها من اللطف، والاعتبار. ويمكن الدلالة على الأمور المقدورة لله تعالى. وقول من قال ان قوله: "كن" سبب للحوادث التي يفعلها الله تعالى فاسد من وجوه:
أحدها - ان القادر بقدرة يقدر على أن يفعل من غير سبب، فالقادر للنفس بذلك أولى. ومنها أن "كن" محدثه فلو احتاجت إلى "كن" أخرى لتسلسل، وذلك فاسد. ولو استند ذلك إلى كن قديمة، لوجب قدم المكون، لأنه كان يجب أن يكون عقيبه، لأن الفاء توجب التعقيب وذلك يؤدي إلى قدم المكونات.
ومنها أنه لو ولدت لولدت من فعلنا كالاعتماد. وإنما استعمل القديم لفظة الأمر فيما ليس بأمر ها هنا ليدل بذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة على الآمر، فكذلك هذا لا كلفة على الفاعل، وذلك على عادة العرب في جعلهم وقوع الشيء عقيب الارادة بمنزلة الجواب عن السؤال قال الشاعر:

وقالت لنا العينان سمعاً وطاعة وحدرتا كالدر لما يثقب

فجعل انحدار الدمع قولا على الوجه الذي بيناه. وقوله: { كن فيكون } ها هنا لا يجوز فيه إلا الرفع، لأنه لا يصلح أن يكون جواباً للاّم في كن لأن الجواب يجب بوجود الاول نحو اتني فاكرمك وقم فاقوم معك. ولا يجوز قم فيقوم، لأنه بتقدير قم فانك إن تقم يقم. وهذا لا معنى له، ولكن يجوز الرفع على الاختيار انه سيقوم ويجوز في قوله: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } النصب، لأنه معطوف على { أن نقول } كأنه قيل أن نقول فيكون.