خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٨
بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٩
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٠
-الروم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى بعد أن ذكر ما يدل على توحيده، وإخلاص العبادة له أن { له من في السماوات والأرض } من العقلاء فانه يملكهم ويملك التصرف فيهم، وليس لاحد منعه منه والاعتراض عليه، وخص العقلاء بذلك لأن ما عداهم في حكم التبع.
ثم اخبر عن جميع من في السموات والارض بأنهم قانتون له. قال مجاهد: معناه مطيعون وقال ابن عباس: معناه مصلون. وقال عكرمة: مقرون له بالعبودية. وقال الحسن: كل له قائم بالشهادة فالقانت الدائم على أمر واحد فالملائكة وغيرهم من المؤمنين دائمون على أمر واحد في الذلة لله في لزوم الطاعة لله تعالى، والكافرون وغيرهم من الفساق دائمون على أمر واحد في الذلة لله - عز وجل - إلا أن منهم من هو بخلقته وفعله، ومنهم من هو بخلقته.
ثم قال تعالى { وهو الذي يبدؤ الخلق } اي يخترعهم ابتداء وينشئهم { ثم يعيده } إذا أعدمه { وهو أهون عليه } قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: اي هو ايسر، وكل هين. وروي عن ابن عباس ايضاً: ان معناه وهو هين عليه، فـ (افعل) بمعنى (فاعل) وقال بعضهم { وهو أهون } على الخلق، لأن الانشاء أولا من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة على التدريج، وفي الاعادة يعادون دفعة واحدة، وحكي عن ابن عباس: انه قال المعنى وهو أهون عليه عندكم، لأنكم أقررتم بأنه يبدؤ الخلق، فاعادة الشيء عند المخلوقين أهون من ابتدائه، قال الشاعر - في أهون بمعنى هين:

تمنى رجال أن أموت وان أمت فتلك سبيل لست فيها باوحد

أي بواحد. وقال الراجز:

قبحتموا يا آل زيد نفرا الام قوم أصغراً واكبرا

أي صغيراً وكبيراً، وقال معن بن أوس:

لعمرك ما ادري واني لاوجل على أينا تعدو المنية أول

أي لواجل. والله أكبر بمعنى تكبير. ويقال للسلطان: الأعظم بمعنى عظيم.
وقوله { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } قال قتادة وهو قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لأنه دائم في السموات والارض، يقول الثاني فيه كما قال الأول. وقيل: المعنى وله الصفة العليا، لأنها دائرة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأول. وقيل: النشأة الثانية يا أهل الكفر ينبغى أن تكون أهون عليه. ثم قال { وله المثل الأعلى } فذلك دليل على انه مثل ضربه الله. ذكره الفراء.
وقوله { وهو العزيز الحكيم } يعني في انتقامه من اعدائه، الحكيم في تدبيره لخلقه. ثم قال { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } المعنى إنكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم، فكيف ترضون لربكم ان يكون له شركاء في العبادة!!. وقال قتادة: كما لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاءكم في فراشكم وأزواجكم كذلك لا ترضوا في ربكم الذي خلقكم أن يعدل به أحد من خلقه فيشرك بينهما في العبادة.
وقوله { تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } قال ابو مخلد: معناه تخافون عبيدكم أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون الشريك من نظرائكم. وقيل: تخافون ان يرثوكم كما يرث بعضكم من بعض - ذكره ابن عباس - وقيل: معناه تخافونهم كخيفتكم أنفسكم في اتلاف المال بانفاقه.
ثم قال { كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون } أي كما ميزنا لكم هذه الأدلة نفصل الأدلة لقوم يعقلون، فيتدبرون ذلك ويفكرون فيها. وقال سعيد ابن جبير: كان اهل الجاهلية إذا لبو قالوا: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هولك تملكه وما ملك. فأنزل الله الآية رداً. عليهم وإنكار لقولهم ثم قال تعالى { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم } معناه إن هؤلاء الكفار لم يتفكروا في أدلة الله، ولا انتفعوا بها بل اتبعوا اهواءهم وشهواتهم بغير علم منهم بصحة ما اتبعوه.
ثم قال { فمن يهدي من أضل الله } وقيل: المعنى من يهدي إلى الثواب من أضله الله عنه. وقيل: المعنى من يحكم بهداية من حكم الله بضلالته. ثم قال { وما لهم من ناصرين } أي ليس لهم من ينصرهم ويدفع عذاب الله إذا حل بهم.
ثم قال تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين { فأقم وجهك للدين حنيفاً } أمرهم الله بأن يوجهوا عبادتهم إلى الله على الاستقامة دون الاشراك في العبادة. ثم قال { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال مجاهد: فطرة الله الاسلام. وقيل: فطر الناس عليها ولها وبها بمعنى واحد، كما يقول القائل لرسوله: بعثتك على هذا ولهذا وبهذا بمعنى واحد. ونصب { فطرة الله } على المصدر، وقيل تقديره: اتبع فطرة الله التي فطر الناس عليها، لأن الله تعالى خلق الخلق للايمان، ومنه قوله صلى الله عليه وآله
"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" ومعنى الفطر الشق ابتداء يقولون: أنا فطرت هذا الشيء اي أنا ابتدأته، والمعنى خلق الله الخلق للتوحيد والاسلام.
وقوله { لا تبديل لخلق الله } قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد وابراهيم: لا تبديل لدين الله الذي أمركم به من توحيده وعدله وإخلاص العبادة له، وهو قول ابن عباس وعكرمة. وقيل: المراد نفي الخطأ. ثم قال { ذلك الدين القيم } أي ما بيناه من التوحيد والعدل واخلاص العبادة لله هو الدين القيم أي المستقيم الذي يجب اتباعه { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } صحة ذلك لعدولهم عن النظر فيه.