خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ
٣٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٣٧
فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٣٨
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ
٣٩
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٠
-الروم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابو جعفر { لتربوا } بالتاء وسكون الواو، الباقون بالياء وفتح الواو، وقرأ ابن كثير { وما أتيتم من ربا } بالقصر. الباقون بالمد. واتفقوا على المد في قوله { وما آتيتم من زكاة } وقرأ حمزة والكسائي وخلف { عما يشركون } بالياء. الباقون بالتاء. قال ابو علي: المعنى وما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوضوا اكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم زيادة العوض دون وجه الله، وهو كقوله { { ولا تمنن تستكثر } فمن مدّ اراد أعطيتم من قوله { فآتاهم الله ثواب الدنيا } ومن قصره فالمعنى يؤل إلى قول من مد إلا انه على لفظ (فعلتم) ومدهم لقوله { وما آتيتم من زكاة } فلقوله { وإيتاء الزكاة } ولو قال أتيت الزكوة لجاز أن يعني به: فعلتها ولكن لفظ القرآن على الايتاء. ومن ضم { لتربوا } فالمعنى لتصيروا ذوي زيادة في ما آتيتم من أموال الناس أي يستدعونها من أربى إذا صار ذا زيادة مثل أقطف واضرب. ومن فتح أسند الفعل إلى الربوا المذكور وقدر المضاف، فحذفه كما قيل: اجتذاب أموال الناس واجتلابه. ويجوز ذلك. وسمي هذا المدفوع على هذا الوجه ربا لما كان فيه من الاستزادة.
يقول الله تعالى مخبراً عن خلقه بأنه إذا أذاقهم رحمة من عنده بأن ينعم عليهم بضروب النعم ويصح أجسامهم ويدرّ أرزاقهم ويكثر مواشيهم وغير ذلك من النعم، إنهم يفرحون بذلك ويسرون به فـ { إذا } شرط وجوابه { فرحوا بها } وإنما جاء الجزاء بـ { إذا } ولم يجيء بـ (حين)، لأن { إذا } اشبه بالفاء من جهة البناء، والزم للفعل من جهة أنه لا يضاف إلى مفرد، فصار بمنزلة الفاء في ترتيب الفعل، وليس كذلك (حين). وشبه إدراك الرحمة بادراك الطعم، فسماه ذوقاً. { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم } هو اخبار منه تعالى أنه إن أصابهم عذاب من الله تعالى جزاء على ما كسبته أيديهم { إذا هم يقنطون } أي ييأسون من رحمة الله، والقنوط اليأس من الفرج، قال جهد الأرقط:

قد وجدوا الحجاج غير قانط

وإنما قال { بما قدمت أيديهم } ولم يقل بما قدموا على التغليب للاكثر الأظهر، لان اكثر العمل وأظهره لليدين، والعمل بالقلب وإن كان كثيراً فهو أخفى، وانما يغلب الأظهر. ويجوز أن يكون ما يصيبهم - من مصائب الدنيا والآلام بها - بعض العقاب، فلذلك قال { بما قدمت أيديهم } ويجوز ان يكون لما فعلوا المعاصي اقتضت المصلحة أن يفعل بهم ذلك، وإن لم يكن عذاباً.
ثم قال تعالى منبهاً لهم على توحيده { أولم يروا } أي او لم يفكروا فيعلموا { أن الله يبسط الرزق } اي يوسعه { لمن يشاء ويقدر } اي ويضيق على من يشاء على حسب ما تقتضيه مصالحهم، وبسط الرزق الزيادة على مقدار القوت منه بما يظهر حاله، واصل البسط نشر الشيء بما يظهر به طوله وعرضه، وبسط الرزق مشبه به. ثم قال { إن في ذلك } يعني في البسط للرزق لقوم وتضييقه لقوم آخرين { لآيات } اي لدلالات { لقوم يؤمنون } بالله، لانهم يعلمون ان ذلك من فضل الله الذي لا يعجزه شيء.
ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { فآت ذا القربى حقه } اي اعط ذوي قرباك يا محمد حقوقهم التي جعلها الله لهم في الاخماس - وهو قول مجاهد - وقيل: إنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله اعطى فاطمة فدكاً، وسلمه اليها - روى ذلك ابو سعيد الخدري وغيره - وهو المشهور عن ابي جعفر، وابي عبد الله عليهما السلام. وقال السدى: الآية نزلت في قرابة النبي صلى الله عليه وآله. وقال قوم: المراد به قرابة كل انسان. والأول اظهر، لأنه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله { والمسكين وابن السبيل } تقديره واعط - ايضاً - المسكين، وهو الفقير، وابن السبيل وهو المنقطع به حقوقهم التي جعلها الله لهم في الصدقات وغيرها، والخطاب وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فهو متوجه إلى جميع المكلفين.
ثم قال { ذلك خير } يعني اعطاء الحقوق المستحقة خير { للذين يريدون وجه الله } بالاعطاء دون الرياء والسمعة { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بثواب الله. ثم قال { وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس } قال ابن عباس: هو اعطاء الرجل العطية ليعطى اكثر منها لأنه لم يرد بها طاعة الله. وقال ابن عباس: وابو جعفر الربوا رباءان احدهما - حلال، والآخر حرام، فالأول هو ان يعطي الانسان غيره شيئاً لا يطلب اكثر منه فهو مباح، ولا يربوا عند الله. والآخر - الربوا الحرام. وقال ابن طاوس عن أبيه: إذا أهدى الرجل الهدية ليهدى له أفضل منها فليس فيه أجر ولا وزر، وكلما فعله الفاعل على أنه حسن للشهوة فليس فيه حد ولا أجر، وشهوته وشهوة غيره في هذا سواء. وقيل: المعني في الآية التزهيد في الربو، والترغيب في اعطاء الزكاة وقال الحسن: هو كقوله
{ { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ولا خير في العطية إذا لم يرد بها وجه الله. وقال الجبائي: وما أتيتم من ربا لتربوا بذلك أموالكم { فلا يربو } لانه لا يملكه المرابي بل هو لصاحبه، ولا يربو { عند الله } لأنه يستحق به العقاب، واعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة فمنه إعطاؤه على وجه الصدقة. ومنه اعطاؤه على وجه الهدية. ومنه الصلة. ومنه الودائع. ومن ذلك قضاء الدين، ومنه البر ومنه الزكاة. ومنه القرض. ومنه النذر وغير ذلك.
ثم قال { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } أي ما اخرجتموه على وجه الزكاة واعطيتموه أهله تريدون بذلك وجه الله دون الربو { فأولئك هم المضعفون } أي يضاعف لهم الحسنات كقوله
{ { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } وقال الكلبي: تضاعف أمواله في الدنيا، فالمضعف ذو الاضعاف كما أن الميسر ذو اليسار.
ثم خاطب تعالى خلقه فقال { الله الذي خلقكم } بعد ان لم تكونوا موجودين { ثم رزقكم } من أنواع الملاذ وملككم التصرف فيها وأباحها لكم { ثم يميتكم } بعد ذلك إذا شاء ليصح ايصالكم إلى ما عوضكم له من الثواب { ثم يحييكم } ليجازيكم على أفعالكم على الطاعات بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب { هل من شركائكم } الذين عبدتموهم من دون الله { من يفعل من ذلكم من شيء } أو يقدر عليه فيجوز لذلك توجه العبادة اليه فانهم لا يقدرون على أن يقولوا: نعم يقدرون عليه وانما يعترفون بعجزها عن ذلك، فيعلموا عند ذلك انها لا تستحق العبادة فلذلك نزه نفسه عقيب ذلك عن أن يشرك معه في العبادة ويتخذ معه معبوداً سواه فقال { سبحانه وتعالى عما يشركون } فمن قرأ بالياء وجه الخطاب إلى الغائب. ومن قرأ بالتاء وجهه إلى المخاطبين، وفي ذلك تنبيههم على وجوب ضرب الامثال لله تعالى دون غيره من المخلوقات.