خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
٧
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
٨
أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٩
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
١٠
-الروم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الحجاز والبصرة والبرجمي، والسموني، والكسائي عن ابي بكر { عاقبة الذين } بالرفع. الباقون بالنصب. من نصب جعلها خبر { كان } وقدمها على الاسم، واسمها يحتمل ان يكون السوء وتقديره: ثم كان السوء عاقبة الذين. ويحتمل ان يكون ما بعد { أن } في قوله { أن كذبوا }. ومن رفع [عاقبة] جعلها اسم { كان } والخبر السوء. ويحتمل ان يكون الخبر { أن كذبوا } وتقديره ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله، أي لم يظفر في شركه وكفره إلا بالتكذيب، ويكون السوء على هذا نصباً على المصدر في قوله { وعد الله } نصب على المصدر، وتقديره: إن ما ذكره الله تعالى من ان الروم ستغلب فارس في ما بعد، وعد وعداً لله لا يخلف وعده، وتقديره وعداً لله وعده كما قال الشاعر:

يسعى الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

أي ويقولون: قيلهم، والاخلاف فعل خلاف ما تقدم الوعد به، وسبيل الوعد بالخير والوعيد بالشر واحد في انه إذا وقع فيه خلاف ما تضمنه كان خلفاً، ثم قال { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } صحة ما اخبرناك به لجهلهم بالله وتفريطهم في النظر المؤدي إلى معرفة الله، ولا يناقض قوله { لا يعلمون } لقوله { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } لأن ذلك ورد مورد المبالغة لهم بالذم لتضييعهم على ما يلزمهم من أمر الله، كأنهم لا يعلمون شيئاً. ثم بين حالهم في ما عقلوا عنه، وما عملوه. ومعنى { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } أي عمران الدنيا متى يزرعون ومتى يحصدون، وكيف يبنون ومن أين يعيشون وهم جهال بأمر الآخرة، وله مضيعون - ذكره ابن عباس - أي عمروا الدنيا واخربوا الآخرة. والظاهر هو الذي يصح ان يدرك من غير كشف عنه. فالله تعالى ظاهر بالأدلة. باطن عن حواس خلقه. والأمور كلها ظاهرة له، لأنه يعلمها من غير كشف عنها ولا دلالة تؤديه اليها. وكلما يعلم بأوائل العقول ظاهر وكلما يعلم بدليل العقل باطن، لأن دليل العقل يجري مجرى الكشف عن صحة المعنى - في صفته - والغفلة ذهاب المعنى عن النفس كحال النائم، ونقيضه اليقظة. وهي حضور المعنى للنفس كحال المنتبه. ونقيضه السهو.
ثم قال تعالى منبهاً لخلقه على وجه الدلالة على توحيده { أولم يتفكروا في أنفسهم } فيعلموا ان الله لم يخلق { السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } بمعنى الاستدلال بهما على توحيده { وأجل مسمى } للاشياء التي للعباد فيها مصلحة بالاعتبار به اذا تصوروا ذلك في الاخبار عنه انه مع كثرته وعظمه محصل بتسمية تنبئ عنه، لا يتأخر ولا يتقدم، بالاوصاف التي ذكرها الله تعالى عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه شيء منه.
ثم قال { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } أي بلقاء ثواب الله وعقابه كافرون. يجحدون صحة ذلك ولا يعترفون به.
ثم قال منبهاً لهم دفعة أخرى { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } من الأمم { كانوا أشد منهم قوة وآثاروا الأرض } أي حرثوها لعمارتها - في قول مجاهد والسدي - و { عمروها أكثر مما عمروها } هؤلاء يعني أهل مكة { وجاءتهم رسلهم بالبينات } يعني أتتهم الرسل بالدلالات من عند الله. وفي الكلام حذف، لان تقديره، فكذبوا بتلك الرسل، وجحدوا الآيات فأهلكهم الله بأنواع العذاب. ثم قال { فما كان الله ليظلمهم } بأن يهلكهم من غير استحقاق ابتداء، وفي ذلك بطلان قول المجبرة: ان الله يبتدئ خلقه بالهلاك.
ثم قال { ولكن كانوا } هم { أنفسهم يظلمون } بأن جحدوا نعم الله واشركوا في العبادة معه غيره، وكذبوا رسله وعصوه بأنواع العصيان، حتى استحقوا العقاب عاجلا وآجلا.
ثم قال { ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء } اخبار منه تعالى بأن عاقبة الذين أساؤا إلى نفوسهم بالكفر بالله تعالى، وتكذيب رسله وارتكاب معاصيه { السوء } وهي الخصلة التي تسوء صاحبها إذا أدركها، وهي عذاب النار - في قول ابن عباس وقتادة وغيرهما - { أن كذبوا } ومعناه لأن كذبوا { بآيات الله } أي جحدوا أدلته ولم يؤمنوا بها { وكانوا بها } بتلك الادلة { يستهزؤن } أي يسخرون منها ويتهزؤن بها. وقيل: معنى الآية أنهم حفروا الأنهار وغرسوا الأشجار وشيدوا البنيان وصاروا إلى الهلاك على أسوء حال بالعصيان ولم يفكروا في الموت، وانهم يخرجون من الدنيا ويصيرون إلى الحساب والجزاء.