خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
٣
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ
٤
يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ
٥
-السجدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا { الم } آية ولم يعدها الباقون. روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة { الم تنزيل } و { تبارك الذي بيده الملك }.
و { تنزيل } رفع على انه خبر ابتداء محذوف، وتقديره { الم } هو تنزيل. ويجوز أن يكون { تنزيل } رفعاً بالابتداء، وخبره { لا ريب فيه } ذكره الزجاج. وقد تكرر القول بأن أوائل امثال هذه السور أقوى الأقوال فيها انها أسماء للسورة، ورجحناه على غيره من الأقوال. والتلفظ بحروف الهجاء ينبغي ان يكون على الوقف، لانها مبنية على السكون من حيث كانت حكاية للاصوات.
وقوله { تنزيل الكتاب } أي هذه الآيات هي تنزيل الكتاب الذي وعدتم به { لا ريب فيه } أي لا شك فيه أنه وحي من الله. والمعنى أنه لا ريب فيه عند المهتدين، وإن كان ارتاب به خلق من المبطلين. وهو مثل قول القائل: لا ريب في هذا انه ذهب أي عند من رآه واعتبره. وقيل: معنى { لا ريب فيه } خبر والمراد به النهي، والمعنى لا ترتابوا به، والريب الشك. وقيل: هو اقبح الشك. ووجوه الحكم في الكتاب البيان عن كل ما تدعو الحكمة إلى تميز الحق فيه من الباطل بالبرهان عليه مما يحتاج اليه في الدين الذي يرضى به رب العالمين، وهو على وجهين: حجة، وموعظة، واعتماد الحجة على تبين ما يؤدي إلى العلم بصحة الأمر، واعتماد الموعظة على الترغيب والترهيب، وفي الموعظة من جهة التحذير بما تضمنه أي يقرب ما في السورة المسمى به من الحكم، وفيه حجة على العبد من جهة انه قد دل به على ما يجب أنه يعتقد تعظيمه ويعمل به.
وقوله { من رب العالمين } أي هو تنزيل من عند الله الذي خلق الخلائق. وقوله { أم يقولون افتراه } فهذه (أم) منقطعة، ومعناها (بل) وتقديره: بل يقولون افتراه، ففيها معنى (بل) والألف إذا كانت معادلة فمعناها (او) مع الاستفهام، و (افتراه) معناه افتعله، بل قال تعالى ليس الأمر على ما قالوه { بل هو الحق } من عند الله والحق هو كل شيء كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل اليه واستحقاق المدح عليه. وتعظيمه الكتاب حق، لأن من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به. والباطل نقيض الحق، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به.
وقوله { بل هو الحق من ربك } فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة لان الله تعالى أنزله ليهتدي به الخلق لا ليضلوا به عن الدين، والمجبرة تزعم انه أراد ضلال الكفار عن الدين فيجب كونه منزلا ليضل الكفار عن الدين.
وقوله { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } لا ينافي قوله
{ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } لان الحسن، قال: المعنى وإن من امة أهلكت بالعذاب إلا من بعد أن جاءهم نذير ينذرهم بما حل بهم. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له { لتنذر } أي لتخوف يا محمد { قوماً } لم يأتهم مخوف قبلك، يعني أهل الفترة من العرب، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة. وقد كان اسماعيل عليه السلام نذيراً لمن أرسل اليه.
ثم قال { الله الذي خلق السماوات والأرض } أي اخترعهما وانشأها وخلق { ما بينهما في ستة أيام } أي في ما قدره ستة أيام، لانه قبل خلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار. وقوله { ثم استوى على العرش } أي استوى عليه بالقهر والاستعلاء، وقد فسرناه في ما مضى ودخلت { ثم } على { استوى على العرش } وإن كان مستعلياً على الاشياء قبلها، كما دخلت حتى في قوله
{ { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } وتقديره ثم صح معنى استوى على العرش باحداثه، وكذلك حتى يصح معنى { نعلم المجاهدين } أي معنى وصفهم بهذا وذلك لا يكون إلا بعد وجود الجهاد من جهتهم.
وقوله { مالكم من دونه من وليّ ولا شفيع } نفي منه تعالى أن يكون للخلق ناصر ينصرهم من دون الله أو شفيع يشفع لهم، كما كانوا يقولون: نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى.
ثم قال { أفلا تتذكرون } في ما قلناه وتعتبرون به، فتعلموا صحة ما بيناه لكم. وقوله { يدبرّ الأمر من السماء إلى الأرض } معناه ان الذي خلق السموات والارض وما بينهما في هذه المدة يدّبر الامور كلها، ويقدرها على حسب إرادته في ما بين السماء والارض، وينزله مع الملك إلى الارض { ثم يعرج إليه } يعني الملك يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يعرج اليه، كما قال ابراهيم:
{ { إني ذاهب إلى ربي } أي ارض الشام التي امرني ربي. ولم يكن الله بأرض الشام، ومثله قوله تعالى { { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله } يريد إلى المدينة. ولم يكن الله في المدينة. وقوله { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } قال ابن عباس، والضحاك: معناه يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر. وقيل: معناه خمس مئة عام نزول وخمس مئة عام صعود، فذلك ألف سنة. وقال قوم: يجوز ان يكون يوم القيامة يوماً له اول وليس له آخر. وقته اوقاتاً يسمى بعضها الف سنة وبعضها خمسين الف سنة. وقيل: ان معنى { وإن يوماً عند ربك كألف سنة } انه فعل في يوم واحد من الأيام الستة التي خلق فيها السموات والارض ما لو كان يجوز أن يفعله غيره لما فعله إلا في الف سنة. وقيل: ان معناه إن كل يوم من الأيام الستة التي خلق فيها السموات كألف سنة من أيام الدنيا.