خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٦
ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ
٧
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٨
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٩
وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
١٠
-السجدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات عراقي لم يعدوا { جديد } آية. وست في ما عداه، لأنهم عدوا { جديد } آية.
قرأ ابن كثير، وابو عمرو، وابن عامر { أحسن كل شيء خلقه } باسكان اللام. الباقون بفتحها. من سكن اللام فعلى تقدير: الذي أحسن خلق كل شيء اي جعلهم يحسنونه والمعنى انه ألهمهم جميع ما يحتاجون اليه. قال الزجاج: ويجوز ان يكون على البدل، والمعنى: احسن كل شيء. ويجوز أن يكون على المصدر وتقديره الذي خلق كل شيء خلقه. ومن فتح اللام جعله فعلا ماضياً، ومعناه احسن الله كل شئ خلقه على إرادته ومشيئته، وأحسن الانسان وخلقه في احسن صورة. وقيل: معناه إن وجه الحكمة قائم في جميع أفعاله، ووجوه القبح منتفية منها، ووجه الدلالة قائم فيها على صانعها، وكونه عالماً. والضمير في قوله { خلقه } كناية عن اسم الله.
لما اخبر الله تعالى انه الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام واستولى على العرش، وانه الذي يدبر الأمور ما بين السموات والارض بين - ها هنا - ان الذي يفعل ذلك ويقدر عليه هو { عالم الغيب والشهادة } أي يعلم السر والعلانية { العزيز } في انتقامه من أعدائه { الرحيم } بعباده، المنعم عليهم، و { الغيب } خفاء الشيء عن الادراك. والشهادة ظهوره للادراك فكأنه قال: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد فيدخل في ذلك المعدوم والحياة والموت والقدرة وجميع ما لا يصح عليه الرؤية. والعزيز: هو القادر على منع غيره ولا يقدر الغير على منعه، وأصله المنع من قولهم: من عز بزّ، من غلب سلب، لأن من غلب أسيره فمنعه أخذ سلبه.
ثم قال الذي احسن كل شيء خلقه، ومعنى ذلك في جميع ما خلقه الله تعالى وأوجده فيه وجه من وجوه الحكمة، وليس فيه وجه من وجوه القبح. وذلك يدل على ان الكفر والضلال وسائر القبائح ليست من خلقه. ولفظة (كل) وإن كانت شاملة للاشياء كلها، فالمراد به الخصوص - ها هنا - لأنه أراد ما خلقه الله تعالى من مقدوراته دون مقدور غيره، ونصب قوله { خلقه } بالبدل من قوله { كل شيء } كما قال الشاعر:

وظعني اليك الليل حضنيه انني لتلك إذا هاب الهداي فعول

وتقديره وظعني حضني الليل اليك. وقال الآخر:

كأن هنداً ثناياها وبهجتها يوم التقينا على ادحال دباب

والمعنى كأن ثنايا هندو بهجة هند. وقوله { وبدأ خلق الإنسان من طين } أي ابتدأ خلق الانسان من طين، يريد انه خلق آدم الذي هو أول الخلق من طين، لأن الله تعالى خلق آدم من تراب، فقلبه طيناً، ثم قلب الطين حيواناً، وكذلك قال { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } وقال - ها هنا - و { وبدأ خلق الإنسان من طين } وكل ذلك لما في التصريفين دليل وقوله { ثم جعل نسله من سلالة } يعني نسل الانسان الذي هو آدم وولده من سلالة، وهي الصفوة التي تنسل من غيرها خارجة، قال الشاعر:

فجاءت به عضب الاديم غضنفراً سلالة فرج كان غير حصين

{ من ماء مهين } قال قتادة: المهين الضعيف. وهو (فعيل) من المهنة.
وقوله { ثم سواه } أي عدله ورتب جوارحه { ونفخ فيه } يعني في ذلك المخلوق { من روحه } فأضافه إلى نفسه اضافة اختصاص وإضافة ملك على وجه التشريف. ثم قال { وجعل لكم } معاشر الخلق { السمع } لتسمعوا به الاصوات { والأبصار } لتبصروا بها المرئيات { والأفئدة } أي وخلق لكم القلوب لتعقلوا بها { قليلاً ما تشكرون } أي تشكرون نعم الله قليلا من كثير و (ما) زائدة، ويجوز ان تكون مصدرية، والتقدير قليلا شكركم، لأن نعم الله لا تحصى. ثم حكى عن الكفار فقال { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض } وفيه لغتان فتح اللام وكسرها، وكل شيء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه، فقد ضل فيه، قال الاخطل:

كنت القذي في موج اكدر مزبد قذف الأتي به فضل ضلالا

وقال مجاهد وقتادة: معنى { ضللنا } هلكنا. وقال ابو عبيدة: همدنا فلم يوجد لهم دم ولا لحم { أئنا لفي خلق جديد } حكاية عن تعجبهم وقولهم كيف نخلق خلقاً جديداً، وقد هلكنا وتمزقت أجسامنا. ثم قال { بل } هؤلاء الكفار { بلقاء ربهم } بالعذاب والعقاب { كافرون } أي جاحدون، فلذلك قالوا: أإذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد، جعل { إذا } منصوبة بـ { ضللنا } وتكون في معنى الشرط، ولا توصل إلا بذكر الفاء بعدها، لأن { إذا } قد وليها الفعل الماضي ولا يجوز أن تنصب { إذا } بما بعدها إذ لا خلاف بين النحويين فيه. وقرأ الحسن { صللنا } بالصاد غير منقوطة. ومعناه احد شيئين: احدهما - انتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا، يقال صل اللحم، وأصل إذا أنتن، والثاني - صللنا صرنا من جنس الصلة وهي الأرض اليابسة.