خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً
٢١
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً
٢٢
مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً
٢٣
لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٢٤
وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً
٢٥
-الأحزاب

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ عاصم { أسوة } - بضم الهمزة - الباقون بكسرها، وهما لغتان. والكسر اكثر. ومثله (كسوة، وكسوة، ورشوة ورشوة).
هذا خطاب من الله تعالى للمكلفين، يقول لهم: ان لكم معاشر المكلفين { في رسول الله إسوة حسنة } أي اقتداء حسن، في جميع ما يقوله ويفعله متى فعلتم مثله كان ذلك حسناً، والمراد بذلك الحث على الجهاد والصبر عليه في حروبه، والتسلية لهم في ما ينالهم من المصائب، فان النبي صلى الله عليه وآله شج رأسه وكسرت رباعيته في يوم احد وقتل عمه حمزة. فالتأسي به في الصبر على جميع ذلك من الاسوة الحسنة. وذلك يدل على ان الاقتداء بجميع افعال النبي صلى الله عليه وآله حسن جائز إلا ما قام الدليل على خلافه، ولا يدل على وجوب الاقتداء به في افعاله. وإنما يعلم ذلك بدليل آخر. فالاسوة حال لصاحبها يقتدي بها غيره في ما يقول به، فالاسوة تكون في إنسان وهي اسوة لغيره، فمن تأسى بالحسن ففعله حسن { لمن كان يرجو الله } فالرجاء توقع الخير، فرجاء الله توقع الخير من قبله ومثل الرجاء الطمع والامل، ومتى طمع الانسان في الخير من قبل الله، فيكون راجياً له.
وقوله { وذكر الله كثيراً } معناه يذكره تعالى بجميع صفاته، ويدعوه بها فيستحق بذلك الثواب من جهته.
ثم قال وقد عاد تعالى إلى ذكر المؤمنين وانهم حين عاينوا الأحزاب التي اجتمعت على قتال النبي صلى الله عليه وآله وتظافروا عليه، وهم ابو سفيان ومن معه من المشركين { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } من الجهاد في سبيله { وصدق الله ورسوله } في ما اخبرا به، لأن النبي صلى الله عليه وآله كان اخبرهم انه يتظاهر عليكم الأحزاب، ويقاتلونكم فلما رآهم المؤمنون تبينوا صدق قوله وكان ذلك معجزاً له { وما زادهم } مشاهدة عدوّهم { إلا إيماناً } وتصديقاً بالله ورسوله { وتسليماً } لأمره. ثم بين ان { من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه } من مجاهدة عدوّه، وألا يولوا الأدبار. وقيل: ذلك يوم تأخروا عن بدر، ثم عاهدوا ألا يفارقوا النبي صلى الله عليه وآله في غزواته. وقوله { فمنهم من قضى نحبه } أي منهم من صبر حتى قتل في سبيل الله، وخرج إلى ثواب ربه { ومنهم من ينتظر } ذلك { وما بدلوا تبديلاً } أي لم يبدلوا الايمان بالنفاق ولا العهد بالحنث. وروي أن الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب عليه السلام فالذي قضى نحبه حمزة، وجعفر والذي ينتظر علي عليه السلام ثم بين تعالى انه يجزي الصادقين على صدقهم في تنزيله فوعهدهم بالثواب الدائم والنعيم المقيم. وقوله { ويعذب المنافقين إن شاء } لا يدل على أن ما يجب غفرانه من الكبائر عند التوبة يجوز تعليقه بالمشيئة، لأن على مذهبنا إنما جاز ذلك، لأنه لا يجب اسقاط العقاب بالتوبة عقلا، وإنما جاز ذلك وعلمناه بالسمع وإن الله يتفضل بذلك. وقوله { أو يتوب عليهم } معناه إن شاء قبل توبتهم وأسقط عقابهم. إذا تابوا، وإن شاء لم يقبل ذلك. وذلك اخبار عن مقتضى العقل. وأما مع ورود السمع وهو قوله
{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } فنقطع على انه تعالى يغفر مع حصول التوبة.
وقوله { إن الله كان غفوراً رحيماً } يؤكد ذلك لأنه انما يكون فيه مدح إذا غفر ماله المؤاخذة به، ويرحم من يستحق العقاب. وأما من يجب غفران ذنبه ويجب رحمته، فلا مدح في ذلك. وقال قوم: معناه { ويعذب المنافقين إن شاء } بعذاب عاجل في الدنيا أو يتوبوا، قالوا: وإنما علق بالشرط في قوله { إن شاء أو يتوب عليهم } لأنه علم أن من المنافقين من يتوب، فقيد الكلام ليصح - المعنى - ذكره الجبائي - وقيل: إن الذي وعد الله المؤمنين في الأحزاب هو أنه وعدهم إذا لقوا المشركين ظفروا بهم واستعلوا عليهم في نحو قوله
{ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } مع فرض الجهاد. وقيل: إن الذي وعدهم الله به في قوله { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } - ذكره قتادة - و (النحب) النذر أي قضى نذره الذي كان نذره في ما عاهد الله عليه. وقال مجاهد: قضى نحبه أي عهده. وقيل: ان المؤمنين كانوا نذروا إذا لقوا حزباً مع رسول الله أن يثبتوا ولا ينهزموا، وقال الحسن: قضى نحبه أي مات على ما عاهد عليه، والنحب الموت كقول ذي الرمة:

قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر

أي منيته. وهو بر اسم رجل والنحب الخطر العظيم قال جرير:

بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب

أي على خطر والنحب المد في السير يوماً وليلة، قال الفرزدق.

وإذ نحبت كلب على الناس أنهم أحق نتاج الماجد المتكرم

ثم اخبر تعالى أنه رد المشركين من الأحزاب عن قتال النبي صلى الله عليه وآله بغيظهم الذي جاؤا به وخيبهم لم ينالوا خيراً أملوه من الظفر بالنبي صلى الله عليه وآله وبالمؤمنين { وكفى الله المؤمنين القتال } عند رجوعهم، وقيل وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والملائكة. وقيل: وكفى الله المؤمنين القتال بعلي عليه السلام وهي قراءة ابن مسعود، وكذلك هو في مصحفه، في قتله عمرو بن عبد ود، وكان ذلك سبب هزيمة القوم. { وكان الله قوياً عزيزاً } أي قادراً لا يغالب، وعزيزاً لا يقهر، لانه قوي في سعة مقدوره، عزيز في انتقامه.