خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً
٢٦
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
٢٧
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٢٨
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً
٢٩
يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
-الأحزاب

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير، وابن عامر { نضعف } بالنون وتشديد العين { العذاب } نصباً، أسند الفعل إلى الله تعالى. وقرأ ابو عمرو { يضعف } بالياء وتشديد العين بلا ألف على ما لم يسم فاعله. الباقون { يضاعف } بالياء والألف.
والذي عليه أكثر المفسرين إن المعني بقوله { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب } هم بنو قريظة من اليهود، وكانوا نقضوا العهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وعاونوا أبا سفيان، فلما هزم الأحزاب امر النبي صلى الله عليه وآله مناديه بأن ينادي لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة، لأن جبرائيل عليه السلام نزل عليه وقال إن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد، ففيهم من لحق ذلك بعد وصلى العصر في الوقت، وفيهم من صلاها قبل ذلك. وكل صوبه رسول الله. ثم حكم سعد ابن معاذ فيهم رضوا بحكمه، فحكم سعد أن تقتل الرجال، وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال وتكون الارض للمهاجرين دون الأنصار، فقيل له في ذلك فقال لكم دار، وليس للمهاجرين دار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
" حكم فيهم بحكم الله تعالى" ، وفي بعض الأخبار لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، وهو جمع رقيع اسم من اسماء سماء الدنيا. وقال الحسن: الآية نزلت في بني النضير والاول أصح وأليق بسياق الآيات، لان بني الضير لم يكن لهم في قتال الأحزاب شيء، وكانوا قد انجلوا قبل ذلك.
والمظاهرة المعاونة، وهي زيادة القوة بأن يكون المعاون ظهراً لصاحبه في الدفع عنه، والظهر المعين. وفي قراءة ابن مسعود آزروهم، ومعناه عاونوهم. والصياصي الحصون التي يمتنع بها واحدها صيصية. ويقال جذ الله صيصية فلان أي حصنه الذي يمتنع به. والصيصية قرن البقرة وشوكة الديك أيضاً، وهي شوكة الحائك أيضاً، قال الشاعر:

[ما راعني إلا الرماح تنوشه] كوقع الصياصي في النسيج الممدد

وقوله { وقذف في قلوبهم الرعب } أي ألقى في قلوبهم يعني اليهود والمشركين خوفاً من النبي صلى الله عليه وآله { فريقاً تقتلون } منهم يعني الرجال { وتأسرون فريقاً } يعني النساء والذراري ثم قال { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } يعني ديار بني قريظة وأرضهم وأموالهم. جعلها الله للمسلمين مع ذلك ونقلها اليهم { وأرضا لم تطؤها } معناه وأورثكم أرضاً لم تطؤها، قال الحسن: هي أرض فارس والروم. وقال قتادة: هي مكة. وقال يزيد بن رومان وابن زيد: هي خيبر { وكان الله على كل شيء قديراً } أي قادراً على توريثكم أرض هؤلاء وأموالهم ونصركم وغير ذلك. إلى ها هنا انتهت قصة الأحزاب.
ثم انتقل إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله فقال له { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً } قال الحسن لم يكن ذلك تخيير طلاق، انما هو تخيير بين الدنيا والآخرة. وكان لنزول الآية سبب معروف من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله فعاتبهن الله تعالى وخيرهن بين المقام مع النبي صلى الله عليه وآله واختيار ما عند الله من الثواب ونعيم الأبد ومن مفارقته بالطلاق وتعجيل المنافع يأخذونها، وبين ذلك بقوله { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار والآخرة، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً } وقيد ذلك بالمحسنات لعلمه أن فيهن من ربما ارتكبت ما يستحق به الخروج عن ولاية الله تعويلا على ما وعد الله تعالى به من النعيم، فزجرهن بالتهديد المذكور في الآية.
وروي أن سبب نزول هذه الآية أن كل واحدة من نسائه طلبت شيئاً فسألت أم سلمة ستراً معلقاً وسألت ميمونة حلة وسألت زينب بنت جحش برداً يمانياً وسألت أم حبيبة ثوباً سحوانياً وسألت حفصة ثوباً من ثياب مصر وسألت حويرية معجراً وسألت سودة قطيفة خيبرية، فلم يقدر على ذلك، لان الله تعالى كان خيره بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة. وقال:
"اللهم أحيني مسكيناً وامتني مسكيناً واحشرني مسكيناً في جملة المساكين" فحينئذ أمره الله تعالى بتخيير النساء، فاخترن الله ورسوله فعوضهن الله عن ذلك أن جعلهن أمهات المؤمنين. وقيل: وأمر الله أن لا يطلقهن ولا يتزوج عليهن بقوله { { لا يحل لك النساء من بعد } ذكره ابن زيد.
ثم خاطب نساء النبي صلى الله عليه وآله فقال { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة يضاعف لها العذاب } من شدد أراد التكثير، ومن أثبت الألف أراد من المضاعفة، ومن قرأ بالنون أضاف الفعل إلى الله، لأن الفاعل لذلك هو الله وإنما جاز ان يضعف عقابهن بالمعصية لعظم قدرهن، وأن معصيتهن تقع على وجه يستحق بها ضعف ما يستحق غيرهن، كما أن طاعاتهن يستحق بها ضعف ما يستحق به غيرهن، من حيث كن قدوة في الاعمال وأسوة في ذلك.
ثم اخبر تعالى أن تضعيف ذلك عليه يسير سهل. والضعف مثل الشيء الذي يضم اليه، ضاعفته ازددت عليه مثله، ومنه الضعف، وهو نقصان القوة بأن يذهب احد ضعفيها، فهو ذهاب ضعف القوة. قال أبو عبيدة: يضاعف لها ضعفين أي يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة لان ضعف الشيء مثله، وضعفي الشيء مثلاه ومجاز يضاعف أن يجعل إلى الشيء شيئان حتى يكون ثلاثة، فأما من قرأ { يضعف } أراد أن يجعل الشيء شيئين، وذكر بعضهم أن ذلك غلط على أبي عمرو في تشديد يضعف، لأن ذلك نقل عنه على حكاية الفرق بين يضاعف ويضعف بالتشديد، وليس بينهما فرق، لان المضاعفة والتضعيف شيء واحد وإنما قرأ ابو عمرو { يضعف } بضم الياء وتسكين الضاد وتخفيف العين وفتحها والفرق يقع بين هذه وبين يضاعف لانك تقول لمن اعطاك درهما فأعطيته مكانه درهمين: أضعفت لك العطية، فان اعطيته مكان درهم خمسة او ستة قلت ضاعفت له العطية وضعفت بالتشديد أيضاً، فلما رأى ابو عمرو أن من احسن من أزواج النبي أعطي اجرين علم آن من اذنب منهن عوقب عقوبتين، فقرأ يضعف لها العذاب ضعفين.
وكان الحسن لا يرى التخيير شيئاً. وقال: إنما خيرن بين الدنيا والآخرة لا في الطلاق، وكذلك عندنا ان الخيار ليس بشيء غير أن اصحابنا قالوا إنما كان ذلك لنبي الله خاصة، ولما خيرهن لو اخترن انفسهن لبن، فلما غيره فلا يجوز له ذلك. وقال قتادة: خيرهن الله تعالى بين الدنيا والآخرة في شيء كن أردن من الدنيا. وقال عكرمة: في غيرة كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بن ابي أميه، وسودة بنت زمعة. وكان تحته صفيه بنت حي ابن خطب وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الاسدية، وحويرية بنت الحارث من بني المصطلق، فلما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.