خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٦
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
٧
أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٩
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ
١٠
أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١
-سبأ

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي { إن يشأ يخسف بهم } بالياء كناية عن الله تعالى أنه إن شاء خسف. الباقون بالنون كناية على انه إخبار منه تعالى عن نفسه.
يقول الله تعالى مخبراً أن الذين أوتوا العلم والمعرفة بوحدانية الله تعالى. قال قتادة: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وقال غيره: يجوز أن يكون المراد كل من أوتي العلم بالدين، وهو الاولى، لانه أعم { الذي أنزل إليك من ربك } يعني القرآن { هو الحق } فـ { الذي } في موضع نصب بأنه المفعول بـ { يرى } وقوله { هو } فصل، ويسميه الكوفيون عماداً، قال الشاعر:

ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى والشيب كان هو البدء الاول

أنشده الكسائى على أن { هو } الاول عماد والثاني اسم. و { الحق } هو المفعول الثاني، و { يرى } في الآية بمعنى { يعلم } وموضعه يحتمل أن يكون نصباً عطفاً على { ليجزي } ويحتمل ان يكون رفعاً بالاستئناف، وإيتاء العلم اعطاؤه إما بخلق العلم او بنصب الادلة المسببة له، فهو لطف الله تعالى لهم بما أداهم إلى العلم، فكان كأنه قد أتاهم { الذي أنزل إليك } يعني القرآن وما أنزله الله عليه من الاحكام يعلمونه حقاً صحيحاً لمعرفتهم بالله وآياته الدالة على صدق نبيه { ويهدي } يعني القرآن ويرشد إلى { صراط العزيز الحميد } يعني إلى دين الله القادر الذي لا يغالب، والحميد يعني المحمود على جميع أفعاله، وهو الله تعالى.
ثم حكى ان الكفار يقول بعضهم لبعض { هل ندلكم على } ونرشدكم إلى { رجل ينبئكم } أي يخبركم { إذا مزقتم كل ممزق } أي مزقت أعضاؤكم بعد الموت، وصرتم تراباً ورميماً { إنكم لفي خلق جديد } ابتداء بأن لم يعمل فيها { ينبئكم } لانه لو أعمل فيها لنصبها، يعيدكم ويحييكم، ويقولون: هذا على وجه الاستبعاد له والتعجب من هذا القول. ومعنى { مزقتم } بليتم وتقطعت أجسامكم. والعامل في (إذ) يقول - في قول الزجاج - وتقديره هل ندلكم على رجل يقول لكم إنكم إذا مزقتم تبعثون، ويكون { إذا } بمعنى الجزاء تعمل فيها التي تليها، قال قيس:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى اعدائنا فنضارب

والمعنى يكن وصلها، فلذلك جزم فنضارب. وقيل العامل فيه معنى الجملة كأنه قيل: يجدد خلقكم، ولا يجوز أن يعمل فيه ما بعد لام الابتداء، ولا ما بعد ان لانها حروف لا تتصرف في نفسها ولا في معمولها. وقوله { أفترى على الله كذباً } قال قوم: اسقط ألف الاستفهام من { أفترى } لدلالة { أم } عليه. وقال الرماني: هذا غلط، لأن الف الاستفهام لا تحذف إلا في ضرورة وإنما القراءة بقطع الألف، فألف الاستفهام ثابتة وألف (افتعل) سقطت، لأنها زائدة، ومثله قوله { بيدي أستكبرت } وقوله { { أصطفى البنات } } وقوله { { سواء عليهم أستغفرت لهم } ونظائره كثيرة. ولم يفصل بينها بمدة لان الثانية مكسورة ففارق همزة { آلله خير أما يشركون } ولو لم تقطع لكان خبراً بعده استفهام، والمعنى إن هؤلاء الكفار الذين يتعجبون من قول النبي صلى الله عليه وآله إن الله يعيد الخلق بعد اماتتهم خلقاً جديداً، هل كذب على الله متعمداً { أم به جنة } يعنون جنوناً فيتكلم بمالا يعلم فقال الله تعالى ليس كما يقولون: { بل الذين لا يوقنون } أي لا يصدقون بالآخرة وبما فيها من الثواب والعقاب { في العذاب والضلال البعيد } يعني العدول البعيد عن الحق، فلذلك يقولون ما يقولون، بل نبههم على صحة ما يقول النبي صلى الله عليه وآله من الاعادة فقال { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض } فيفكروا فيه ويعتبروا به وإن الله تعالى خلقه واخترعه وأنه { إن نشأ نخسف بهم الأرض } من تحت أرجلهم { أو نسقط عليهم كسفاً } يعني قطعة من السماء ثم قال { إن في ذلك لآية } ودلالة { لكل عبد منيب } أي راجع إلى الله تعالى. ووجه التنبيه بالآية أن ينظروا فيعلموا أن السماء تحيط بهم، والارض حاملة لهم، فهم في قبضتنا { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم السماء } أفما يحذرون هذا فيرتدعون عن التكذيب بآيات الله. و (المنيب) المقبل التائب - في قول قتادة -.
ثم اخبر تعالى فقال { ولقد آتينا داود } يعني أعطاه { منا فضلا } من عند الله. وقيل: معناه النبوة. وقيل: الزبور. وقيل: حسن الصوت. وقيل: هو ما فسره أي قلنا { يا جبال أوبي معه } ومعناه أنه نادى الجبال وأمرها بأن أوبي معه أي ارجعي بالتسبيح معه، قال الشاعر:

يومان يوم مقامات واندية ويوم سير إلى الاعداء تأويب

أي رجوع بعد رجوع. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح { والطير } في نصبه وجهان: أحدهما وسخرنا الطير والثاني - بالعطف على موضع المنادى الاول كما قال الشاعر:

ألا يا زيد والضحاك سيرا [فقد جاوزتما حد الطريق]

والاول أقوى عندهم لان الحمل على لفظة المنادى أشكل. ويكون كقولهم (أطعمتها تبناً وماء بارداً) أي وسقيتها.
وقيل معنى { أوبي } سيري معه حيث شاء، وليس المعنى إن الله خاطب الجبال، وهي جماد بذلك، بل المراد أنه فعل في الجبال ما لو كانت حية قادرة لكان يتأني منها ذلك.
وقوله { وألنا له الحديد } قال قتادة: كان الحديد في يده مثل الشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا تطريق. ثم قال وقلنا له { أن اعمل سابغات } وهي الدروع التامة والسابغ التام من اللباس، ومنه اسباغ النعمة إتمامها، وثوب سابغ تام { وقدر في السرد } معناه لا تجعل الحلقة واسعة لا تقي صاحبها وسرد الحديد نظمه. وقيل: السرد حلق الدرع - في قول ابن عباس وابن زيد - قال الشاعر:

اجاد السدي سردها وأدالها

وقال قتادة: السرد المسامير التي في حلق الدرع، وهو مأخوذ من سرد الكلام سرده يسرده سرداً إذا تابع بين بعض حروفه وبعض كالتابعة في الحلق والمسامير، ومنه السرد للطعام وغيره للاستتباع في خروج ما ليس منه، قال الشاعر:

وعليهما مسرودتان قضاهما داود او صنع السوابغ تبع

ويقولون: درع مسرودة أي مسمورة الحلق. وقيل: معنى { وقدر في السرد } عدل المسمار في الحلقة لا يدق فينكسر او يغلظ فيفصم، ذكره مجاهد والحكم. { واعملوا صالحاً } أمر لهم بأن يعملوا الاعمال الحسنة التي ليست قبيحة وما يكون بفعله مطيعاً لله { إني بما تعملون بصير } أي عالم بما تفعلونه، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فالبصير العليم بالامور بما يتبين في تميزه بعضه من بعض وكان الكسائي يدغم الفاء في الباء في قوله { إن نشأ نخسف بهم } وهذا لا يجوز عند البصريين، لان الفاء من باطن الشفة العليا، واطرف الثنايا العليا، والباء يخرج من بين الشفتين، ولان الفاء فيه نفس، فاذا أدغم في الباء بطل، وأيضاً فهو من مخرج التاء، فكما لا يجوز ادغامه في التاء، فكذلك لا يجوز ادغامه في الباء، وأجاز ذلك الفراء. وأما إدغام التاء في الفاء، فلا خلاف فيه.