خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤١
وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً
٤٢
ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً
٤٣
أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً
٤٤
وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً
٤٥
-فاطر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي ومكي ومدني الأول. وست شامي، وفي عدد اسماعيل. وسبع بصري. عد البصري والشامي واسماعيل { تبديلاً } وعد البصري قبله { تزولا } ولم يعد ذلك الباقون.
لما بين الله تعالى أن الاصنام لا تقدر على شيء وأن ليس لها شرك في السموات والأرض، أخبر عن عظيم قدرته وسعة سلطانه فقال{ إن الله يمسك السماوات } بأن يسكنها حالا بعد حال، ولا يقدر على تسكينها غيره تعالى حال بعد حال، لأنه يسكنها بغير عمد، فالارضون ساكنة بلا عمد والسموات ساكنة باسكانه. وهي غير الأفلاك التي تجري فيها النجوم، قال عبد الله بن مسعود ان السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت. ومنعهما بهذا التسكين من أن تزولا عن مواضعها او تهوي او تسقط، ومعنى { أن تزولا } كراهة أن تزولا. وقال الكوفيون: معناه ألا تزولا عن مراكزهما، فحذف (لا).
ثم قال { ولئن زالتا } معنى (لئن) (لو) ويوضع كل واحد منهما مكان الآخر، لانهما يجابان بجواب واحد. ومثله
{ ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً } ومعناه و (لو) ومعنى { ولئن زالتا } يعني عن مقرهما { إن أمسكهما من أحد من بعده } أي ليس يسكنها احد ولا يقدر عليه احد بعد الله تعالى { إنه كان حليماً } يعني القادر الذي لا يعاجل واحداً بالعقوبة، ولا يحلم إلا قادر، لان من ليس بقادر، لا يصح ان يعاقب، فلا يحلم وإنما حلمه أناة بمن استحق العقوبة { غفوراً } أي ستاراً لذنوبهم إذا تابوا لا يفضحهم بها على رؤس الأشهاد، و (الغفور) الكثير الغفران لذنوب عباده بالتوبة وبالتفضل لمن يشاء منهم.
ثم حكى عن الكفار أنهم { أقسموا بالله } يعني حلفوا به { جهد أيمانهم } أي غاية وسعهم وطاقتهم { لئن جاءهم نذير } أي مخوف من جهة الله يخوفهم من معاصيه { ليكونن أهدى } إلى اتباعه والقبول منه { من إحدى الأمم } الماضية وأسبق إلى اتباعه { فلما جاءهم نذير } أي محمد صلى الله عليه وآله جاءهم يخوفهم بالله { ما زادهم } مجيئه { إلا نفوراً } أي ازدادوا عند مجيئه نفوراً عن الحق وهرباً منه لا أن مجيئه زادهم ذلك. ثم بين تعالى انهم ينفرون عند مجيء النبي { استكباراً } أي طلباً للكبر والتجبر على غيرهم { في الأرض } من أن يقروا بالحق { ومكر السيء } أي وحيلة الأفعال القبيحة والمعاصي لانهم قصدوا بذلك الفرار من اتباع محمد والايمان به، والسيء الشرك - في قول قتادة - واضيف اليه كما قال
{ { لحق اليقين } وفي قراءة عبد الله بن مسعود { ومكراً سيئاً } وقد سكن حمزة وحده الهمزة. الباقون جروها بالاضافة. والتسكين لحن عندهم اعني البصريين، لا يجوز ان يقرأ به. وقيل الوجه في تسكين حمزة كثرة الحركات في الكلام، كما قال الشاعر:

إذا اعوججن قلت صاحب قوم

فسكن الباء لكترة الحركات، والصحيح الأول، لأن مثل هذا إنما يجوز في ضرورة الشعر، قال ابو علي النحوي: يجوز أن يكون أجراه في الوصل مجرى الوقف، وتقدير ومكرراً المكر السيء، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر، وتقديره ومكروا المكر السيء بدلالة قوله { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } ومعناه لا ينزل باحد جزاء المكر السيء إلا بمن فعله { فهل ينظرون } أي فهل ينتظرون { إلا سنة الأولين } من نزول العقاب بهم وحلول النقمة عليهم جزاء على كفرهم، فان كانوا ينتظرون ذلك { فلن تجد } يا محمد والمراد به الكفار { لسنة الله تبديلاً } أي لا يغير الله عادته من عقوبة من جحد ربوبيته { ولن تجد لسنة الله تحويلاً } ولا يبدلها بغيرها، فالتبديل تصير الشيء مكان غيره، والتحويل تصير الشيء في غير المكان الذي كان فيه، والتغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان.
ثم قال { أولم يسيروا في الأرض } يعني هؤلاء الكفار الذين انكروا إهلاك الله الأمم الماضية. أما ساروا في الارض { فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا } أولئك { أشد منهم } من هؤلاء { قوة وما كان الله ليعجزه من شيء } إذ لم يكن يفوته شيء { في السماوات ولا في الأرض انه كان عليماً } عالماً بجميع الأشياء { قديراً } قادراً على ما لا نهاية له، ويقدر على اجناس لا يقدرون عليها.
ثم اخبر تعالى ممننا على الناس بتأخير عقابهم بان قال { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا } أي جزاء على معاصيهم عاجلا { ما ترك على ظهرها } ظهر الارض { من دابة } تدبّ على رجليها { ولكن يؤخرهم إلى أجل } يعني إلى الوقت المعلوم الذي قدره لتعذيبهم { فإذا جاء أجلهم } يعني الوقت المقدر المعلوم { فإن الله } تعالى { كان بعباده بصيراً } أي عالماً بأحوالهم لا يخفى عليه شيء منها فيجازي كل انسان على قدر فعله من طاعة او معصية، والضمير في قوله { على ظهرها } عائد إلى الارض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الكلام عليه، لأنه معلوم أنهم على ظهر الارض دون غيرها، على أنه قد تقدم قوله { أو لم يسيروا في الأرض } وفي قوله { إن الله يمسك السماوات والأرض } فيجوز أن يرد الكناية اليها.