التبيان الجامع لعلوم القرآن
قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وروح {والقمر قدرناه} رفعاً على الاستئناف لأن الفعل مشغول بالضمير العائد إلى القمر. وقال ابو علي: الأجود أن يكون رفعاً على تقدير وآية لهم القمر قدرناه، لأنه اشبه بالجمل قبلها. ومن رفعه بالابتداء جعل (لهم) صفة للنكرة والخبر مضمر، وتقديره {وآية لهم} في المشاهدة او الوجود، ويكون قوله {الليل نسلخ منه النهار} تفسير للآية. الباقون بالنصب بتقدير فعل مضمر، ما بعده تفسيره، وتقديره: وقدرنا القمر قدرناه.
يقول الله تعالى منزهاً نفسه ومعظماً لها ودالا بأنه هو الذي يستحق الحمد بما نبه بقوله {سبحان الذي} أي تنزيهاً للذي {خلق الأزواج كلها} أي تعظيماً وتبجيلا له بجميع ما خلق من الازواج، وهي الاشكال، والحيوان على مشاكلة الذكر للانثى، وكذلك النخل والحبوب اشكال، والتين والكرم ونحوه اشكال، فلذلك قال {مما تنبت الأرض} يعني من سائر النبات {ومن أنفسهم} من الذكر والانثى {ومما لا يعلمون} مما لم يشاهدوه ولم يصل خبره اليهم.
ثم قال {وآية لهم} يعني دلالة وحجة على صحة ذلك {الليل نسلخ منه النهار} أي نخرج منه النهار {فإذا هم مظلمون} أي داخلون في الظلمة لا ضياء لهم فيه بالشمس، فالسلخ إخراج الشيء من لباسه، ومنه إخراج الحيوان من جلده، يقال سلخ يسلخ سلخاً فهو سالخ، ومنه قوله { فانسلخ منها } أي فخرج منها خروج الشيء مما لابسه، ثم قال {والشمس تجري لمستقر لها} آية اخرى. وقيل في معنى المستقر ثلاثة اقوال:
احدها - لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا.
الثاني - قال قتادة: لوقت واحد لها لا تعدوه ولا تختلف.
الثالث - إلى ابعد منازلها في الغروب. وقال المبرد معنى {لمستقر لها} أي إلى. ومن قال الشمس لا تستقر بل تتحرك أبداً قال معنى {لمستقر لها} أنها كلما انتهت إلى منقلب الصيف عادت في الرجوع وإذا بلغت منقلب الشتاء عادت إلى الصعود. ثم قال {ذلك تقدير العزيز العليم} أي من قدر الشمس على ذلك إلا القادر الذي لا يضام، العالم بما يفعله؟، ثم قال {والقمر قدرناه} فمن رفع عطف على قوله {والشمس تجري} ومن نصب قدر له فعلا يفسره وقوله {قدرناه منازل} كل يوم ينزل منزلا غير المنزل الأول لا يختلف حاله إلى ان يقطع الفلك {حتى عاد كالعرجون القديم} فالعرجون العذق الذي فيه الشماريخ، فاذا تقادم عهده يبس وتقوس، فشبه به. وقال الفراء: العرجون ما بين الشماريخ إلى المنابت في النخلة من العذق، والقديم الذي اشرف على حول. وقوله {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} حتى يكون نقصان ضوئها كنقصان القمر، وقال ابو صالح: معناه لا يدرك احدهما ضوء الآخر، وقيل معناه: {لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر} في سرعة سيره {ولا الليل سابق النهار} اي ولا يسبق الليل النهار. وقيل: إن احدهما لا يذهب إلى معنى الآخر وكل له مقادير قدرها الله عليه. ثم قال {وكل في فلك يسبحون} يعني الشمس والقمر والكواكب يسبحون في الفلك. وإنما جمعها بالواو والنون لها أضاف اليها افعال الآدميين. وقيل: الفلك مواضع النجوم من الهواء الذي يجري فيه. ومعنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط، وكل ما انبسط في شيء فقد سبح فيه، ومنه السباحة في الماء.